Article Listing

FacebookTwitterYoutube

Subscribe to RAIATI










Share

للمقبلين على سرّ الزواج المقدّس رجاءً مراجعة موقع:  wedding2

مركز القدّيس نيقولاوس للإعداد الزوجيّ

Home An Nahar Articles An Nahar Archives An Nahar 2011 أنا من أنا؟ 03/26/2011
أنا من أنا؟ 03/26/2011 Print Email
Saturday, 26 March 2011 00:00
Share

 

أنا من أنا؟     

بقلم المطران جورج خضر، جريدة النهار السبت 03/26/2011

الانسان في بشرته من هو وليس لنا لمعرفته إلاّ بشرته؟ تبدأ لمعرفته بجسده. ترى في عينيه عيني أبيه او أمه ويختلف الناس في الوصف والحقيقة ان هذا الرضيع موصول وعلم الجنات يعلمك عما هو أدق حتى يصل هذا الطفل الى سن توضح القربى في الطبائع بينه وبين ذويه والقربى في بعض الحركات، في المشية والقعود فتلحظ الوحدة وتلحظ الافتراق حتى يكتمل البدن او يكاد. واذا تعمقت التدقيق ترى الشبه يعظم او يقل. ففي هذه العائلة تأتي الاثنينية أقوى وفي تلك هي أضعف.


في علم الجنات بدا اكثر من الماضي الشبه ليس فقط في البنية وليس فقط في ما هو للبشرة ولكن في ما هو في أعماق النفس اي في بنية الانسان العميقة. بدا الاختلاف الكبير، الشرخ بينك وبين ذويك لأن النفوس ليست خلايا تتشابه او تتراكم. فقد يكون ابوك عاقلا او معتدلا او متوازنا وأنت على عكس ذلك قليلا او كثيرا. تقول، من اجل التفسير، انها البيئة. ولكن لا تستطيع ان تحلل لماذا او كيف كان تأثير البيئة. لا تستطيع ان تربط بين البيئة والتغيير التي أحدثته. هناك شيء يدخل الى هذا الكيان من فوقه او من تحته او من جنباته. هناك شيء غير البشرة الموروثة. هناك مخالفات عندك لما كنت تلمسه. فقد يكون ابوك غضوبا جدا وتأتي انت هادئا. ماذا لامسك، ماذا هب فيك لتبدو كأنك منقطع عن أبيك وأمك؟ هل انت ابن واحد من الناس أم لست ابن واحد من هذه الأرض؟
هل ضُربت الاثنينية بعامل هو خارج هذه البشرة. يصير الانسان واحدا اذا أحس بمحبوبيته. كان قد اتى من رحم امه تشكله كل العوامل التي رُكب منها فبعد ان اخذ يستقل بقطع حبل السرة صار يسير نحو وحدته. اخذت احاسيسه تشعر مؤتلفة انه قادر ان يقول انا . موقف ليس ضد الأنا الأخرى. لا يريد ان يذوب في الآخرين لكنه لا ينغلق دونهم. اناه هي اياها بتناغمها. هذا ما نسميه جدلية الوحدة والكثرة. تثبت الشخصية بالتوحد والتمايز متلازمين. الخوف من الصدام بينهما.
ليس التلاحم فقط بين الأحياء. ليس أدل على استمرار النفس من بعد موت من كونها تعطي او من كونك تأخذ منها. كم من ميت يعايشك بقوة ما كنت تعرفها في حياته. من اين جاءت هذه المشاركة؟ ليس هذا حوارا كلاميا. لا تحدث هذه المعايشة تداخلا عاطفيا لأن هذا الداخل يتطلب وجها. الوجوه غابت. لم يبقَ الجسد ركيزة لشيء. ما في الأمر خيال وما فيه عاطفة كهذه التي كنا نبديها، انت واحد، منصهر لكنها وحدة مصبوبة فيها ينابيع يجب ان تكون هي ايضا مصبا. الانسان الواحد انسانية مع انه ليس بجمهور.

 

 

***

كل هذا يفيد ان كلا منا وحيد بمعنى انه ليس مثله شيء. ان يكون خصوصيا لا يعطيه فضلا. يعطيك هو فضلا فتصير به وقد يمدك بما لا يعرف فتأخذ انت بحسب موهبة الأخذ فيك وتحب وتعرف ما تحب في الآخر وصديقك يعرف ما يأخذ وانه ينمو بك ويحسن هذه هي التربية التي لا يتبجح فيها احد انه المعلم. هذا تكامل الندية التي يحرص فيها كل واحد على ان الآخر افضل منه لأنه يراه المعطي.
وعلى قدر وعي هذا السر تتشكل الصداقة وقد قال أحدهم لما سُئل عن سر ارتباطه بصديقه نحن هكذا لأنه هو هو وانا انا اي هناك ما كان أعمق من المعرفة العقلانية. العلاقة تتكوّن مما يسمو طبائعك وطبائع آخر وهذه هي المحبة الصافية التي ننمو بها وحدها.
خارج العنصر البشري اذا كنت ذواقة يهذبك الجمال. منا من يأتي من حبه للطبيعة ومنا من أتى من حبه للمنازل الحديثة او الأثرية او الفنون. شخصيتك، اذ ذاك، نضرة تنقذك من الحزن والجفاف. انت عطية الطبيعة وغني بها او انت عطية الفن. هكذا يتغذى التدفق الذي فيك ويزول جفافك. هكذا تنغرس فيك الجنات.
الأنا اذاً كونية ووجدانية معا. هناك من يأخذ من الطبيعة قليلا ومن الفنون قليلا لكنه يأخذ من البشر كثيرا. اية كانت المصادر الإنسان متشعّب الغنى وعليك ان تكتشف جماله. ولك ان تنمي قدرتك على استيعاب ما انت مؤهل لالتقاطه لكونك في الأصل غير محدود. أنت انت لكنك ايضا ما ستصير.
ومع انك غير محدود في الخط الذي انت سالكه الا انك لا تستطيع كل شيء. اقبل ما وُهبت وتوسّع فكل وزنة جاءتك مدعو انت ان ترد اضعافها لله الواهب وللناس الذين حولك. لقد اختصك ربك بما لم يختص سواك. استثمر ما بين يديك لأن انا الآخر يجب ان تكبر اهتمامك حتى لا يجف العالم. لا تستطيع ان تنام ما دمت موهوبا فالرب يكره ان تتصحر الدنيا.

***

تولد من أبيك ومن أمك ثم من بيئة الطبيعة والعلم والفن وخبرة الحياة لكنك فوق ذلك تولد من الله الذي وحده يضمك بكليتك الى نفسه. انت تنفصل عن أمك بالولادة. الولادة خروج ولكن اذا وُلدت من الله بنعمته يكون قد اعطاك من كيانه ويقول علماء كنيستي انك جئت من أزليته وهو يحبك بالحب نفسه الذي يحب به مسيحه. يجعل لك انا غير هذه التي استمددتها من أمك. منها ومن أصدقائك تصير آخر بالدرجة. من الله فقط تصير آخر بالنوع. تصبح إلهيا ولن تبقى فقط جسدا آتيا من جسد. فقط "المولود من الروح هو روح" اي ذو كيان آخر من هذا الذي اطلقته فيه امه الى العالم. يصير من عالم آخر، هذا الذي ينزل عليه بالحب الإلهي.

Last Updated on Saturday, 26 March 2011 15:45
 
Banner