Article Listing

FacebookTwitterYoutube

Subscribe to RAIATI










Share

للمقبلين على سرّ الزواج المقدّس رجاءً مراجعة موقع:  wedding2

مركز القدّيس نيقولاوس للإعداد الزوجيّ

Home An Nahar Articles An Nahar Archives An Nahar 2011 أين نحن من الحقيقة؟ 05/21/2011
أين نحن من الحقيقة؟ 05/21/2011 Print Email
Friday, 20 May 2011 00:00
Share

أين نحن من الحقيقة؟

بقلم المطران جورج خضر، جريدة النهار السبت  21 أيـّار 2011

لما سقطت الشيوعية أحست الولايات المتحدة ان العالم في حاجة الى قطب آخر تعاديه واحتسب ان هذا القطب يمكن ان يكون الإسلام فوطدت علاقاتها بدول إسلامية وانشأت حركات اسلامية موالية لها ولكنها ظنت ان الموالاة تدوم وبينت الأحداث سرعة التغير عند الأصدقاء في الحيز السياسي.

أهملت هنا ذكر الشخصيات الكبرى في العالم العربي الذين صادقوا الإدارة الاميركية واسماؤهم نشرتها هذه الإدارة في كتاب مطبوع. ان التحول الذي حدث عند أسامة بن لادن نموذج فقط عن سلوك مألوف. من هنا لا يسوغ ان نستغرب عنف الأصدقاء الذين يصيرون اعداء. لا شيء يكفي المقربين اذا طرأ عليهم ما يجعلهم غرباء عن الإخلاص الاول.

ليست غاية هذه العجالة ان افسر عداء اسلاميا لأميركا. هي نفسها لغتها هذا العداء. ما اود ان اؤكده هنا ان ما يسمى عنفا ليس حكرا على احد في أطوار التاريخ. العنف له ظروفه وينتقل من جماعة الى جماعة. فقد مارس مسيحيو الغرب العنف او الظلم الاجتماعي بحق اليهود حتى الثورة الفرنسية. ومارسوه بحق المسلمين في محاكم التفتيش قانونيا حتى طُرد او هُجر المسلمون من الأندلس في آخر القرن الخامس عشر واضطهد الأرثوذكس الروسيون المسيحيين المؤمنين القدماء الذين انشقوا عن الكنيسة الروسية. وللمسلمين انفسهم لا لي ان يفحصوا اذا كان تاريخهم مجيدا دائما من هذه الزاوية.

ما اؤكده مؤقتا ان المذابح ذات الطابع الديني قامت بخاصة في اوساط ديانات التوحيد بمعنى ان الذين لا يعبدون الإله الأحد لم يقوموا بمجازر الا اذا استثنينا احيانا قتل الهندوس للمسلمين.

السؤال الذي يفرض نفسه الآن هو هل من علاقة في عملية العنف بين المؤمنين في كل دين وكتبهم المقدسة ام نستطيع ان نفصل بين الكتب وأتباعها؟ السؤال صعب جدا وكل مجزرة يجب ان تُدرَس على حدة. ربما كانت اسباب سياسية بحتة. ما من شك انه طرأت في الهند احيانا اعتبارات انتخابية.

***

ما يثير هذا السؤال في ذهني هو لماذا تمر اجيال ولا يصطدم اهل هذا الدين بذاك والكتب المقدسة واحدة. السؤال المتفرع هو هل ان النصوص التي تبدو عدائية او هي كذلك لا تولد عداء فعليا والنصوص الهادئة السلامية الحاملة بذار المحبة لا تنشئ سلوكا محبا؟

الصدق والمنهج العلمي يفرضان علينا ان نبحث في الرباط بين النص والمسلك. هل كان هناك رباط حتى لا نسترسل بالقول المتسرع ان هذا الدين او اذاك كله محبة وسلام وسماحة لتنزع عنه نوازع غذت الفريق المعتدي. الإنسان يأتي من النصوص الهاما في كثرة من الأحايين ولا يأتي احيانا ولا يسوغ ان نسقط على الدين سلوك ابنائه دائما وبالضرورة قبل ان نفتش عن الأسباب المجتمعية والسياسية التي قد تفسر الحادث.

المجموعة العنيفة تأتي أو لا تأتي من المصادر المكتوبة ولكنه يكون نوعا من الفصام ان نقول ان هذه المجموعة تأتي من العدم العقدي او من جهلها للمصادر وان ما تم قد تم صدفة بسبب من انفعالات طارئة. ليس في حياة الشعوب من طارئ. ان تقول مثلا ان المسيحية كلها محبة وان المسيحيين القتلة في هذا الحادث لم يستلهموا المسيحية لا يفسر شيئا. ان نقول في حالة قتل قام به مسلمون الاسلام براء من هؤلاء لا يفسر شيئا. هذان الموقفان تفرّج على الدم. لذلك تبقى التربية الدينية وقبلها يجيء اللاهوت. ماذا تقول المسيحية في مناهلها وتاريخها سيء جدا باعتباره مليء بالدم. ماذا يقول الاسلام في تاريخه وتاريخه فيه بعض قتل.

لكون اهل الديانات التوحيدية ارتكبوا ولأن بعض المرتكبين ما كانوا اغبياء لا بد ان نفحص ما اذا كان هذا الدين او ذاك فيه بذور من العنف او فيه عنف واضح وهذا لا يصير الا بالتفسير يأتي من اي قراء عليم الى اي دين انتمى. لأن الدين لغة. انا مثلا لا يذهلني ان عالما يابانيا يعلم العهد الجديد ولست أذكر ان كان بوذيا او شنتويا وله ان يفهم العهد الجديد كما يفهمه اي عالم مسيحي. الإنجيل نصوص تعرب. والقرآن تصوص تعرب. لويس ماسينيون في ايام دراستي في باريس اي في مطلع الخمسينات اعطى خلال سنتين تفسير سورة البقرة ولم يتهمه احد بالجهل او التحامل وكان يتبع تعليمه طلاب مسلمون.

التفسير لكل النصوص التأسيسية في كل ديانة تفسير تاريخي. لأن النصوص قد قيلت لناس عاشوا في زمن معين. وما كان مرتبطا عضويا في زمن لا يؤخذ معناه كاملا من الزمن المحدد. لذلك هناك مرونة في التفسير لا ترتبط فقط باللغة. المعنى المطلق هو في الله. لذلك ليست اللغة مطلقة. ان لم يكن عند المفسر حس تاريخي يعسر عليه جدا ان يلهمك اليوم عمق المعنى الإلهي. معنى ذلك ان ما أجيز في فترة من الزمن قد لا يجوز في فترة أخرى.

هناك اذًا تفهّم للنص الديني كما تفهم اي نص آخر في أدبيات العالم.

الى هذا كل ديانة لها روحها اي منهجها الفكري العام ولها تراثها وحيويتها والأقدمون فيها. من هذا المنظار ليست الديانات واحدة. ظروف انكشافها وتلقيها وأبعادها الفكرية ليست واحدة ولا معنى للقول انها تختلف بالأحكام فقط. فهناك المسيحية التي ليس فيها نظم شرعية ولا أحكام. هي شيء آخر عن كل منظومة دينية. هناك تقارب مع انظومات اخرى. ولكنها قائمة في ذاتها. هكذا الإسلام قائم بذاته وله روحيته وحركيته وتراثه وعمقه. والفروق بينه وبين اية ديانة اخرى ليست قليلة. ولكن القلوب والعقول النيرة تجعلك تتبيّن حقيقته من ذاته بلا تشبيه بغيره. المهمة تبقى كيف تكشف الحب فيه وانسانيته وسموه لا تجعله مندمجا بالمسيحية او اليهودية ولكن لتذوقه من صميمه وتتركز على ما يدعو فيه الى المحبة وتتركز بالطريقة نفسها على المسيحية لتحس بتجلياتها  وقدرتها على صنع قلوب طيبة تستطيب كل بهاء خارج حدوده.

Last Updated on Sunday, 22 May 2011 11:20
 
Banner