للمقبلين على سرّ الزواج المقدّس رجاءً مراجعة موقع: |
القانون 08/20/2011 |
Saturday, 20 August 2011 00:00 |
بقلم المطران جورج خضر، جريدة النهار السبت 08/20/2011
لم أعثر على كلمة قانون في لسان العرب لكن اللفظة واردة في اليونانية وتعني القاعدة. غير ان ثمّة احتمالا انها من قناة وهي كل عصا ستوية وفي اللاتينية تدلّ على القصبة. فمن أي مصدر لغوي اشتقت تدل على مفهوم الاستقامة. منشئو اللغات وضعوا المفهوم ضد الاعوجاج المطبوع الإنسان عليه منذ سقوط آدم. فاذا قلت بالقانون تقبل ان ثمة اعوجاجا وتدعو الى الا يبقى مضمنا ان التقويم ممكن ولهذا كان القانون. هذا عرف بالشريعة في العهد القديم وعرفها بأنها "الشهادات والفرائض والأحكام التي كلّم بها موسى بني اسرائيل عند خروجهم من مصر" (تثنية الاشتراع 4: 45). والمعنى ان هذه الشريعة اعطاها الله وهذا في الإسلام ايضا.
الفكرة في هذا السياق ان هناك كلمة فوق الانسان يحقق نفسه بها أي ان الكلمة تجعله مستقيما. لا اتطرق هنا الى الشريعة أو الشرع ولكن الى القانون الذي تضعه الأمة بمعناها المدني لكل من أعضائها لأنها حريصة على سلامتها وسلامته وتقدمها وتقدمه اذ نفترض في الشارع حرصا على المواطنين. نأخذ هنا القانون الوضعي الذي يستلهم في بعض البلدان الشرع. والشرع في تطبيقه تصير له حوانب وضعية. المهم ان هناك قانونا فوق رأس الجميع ليس فقط لأن سلطة شرعية وضعته ولكن لكون هذه السلطة -ان كانت غير مستبدة - تعمل لصالح الجماعة. غير ان هذا الكلام يعني ان الناس يؤمنون بأنهم جماعة أي قوم يؤمنون بأنهم يعيشون بالمشاركة في ما بينهم وانهم ليسوا شرذمة مؤلفة من أفراد غير مترابطين. هل شعبنا يؤمن بأنه شعب، مجتمع متراص أو يسعى الى ان يكون ويبقى متراصا خاضعا لسلطة منبثقة منه ومفوضة أن تسعى الى خيره؟ قد يكون قبلي العقلية والقبيلة الواحدة متآلفة ومتجانسة ولها رئيس. المشكلة هي اننا قبائل متعددة أو شعوب كما يحلو لسركيس نعوم ان يسمينا. وبين القبائل تنافس أو خصومة. المشكلة في الذهنية اللبنانية ان كلا منا يؤمن بنفسه فقط واننا لم نصل بعد الى القبلية. انه لأمر عظيم لو آمنا اننا "كلنا للوطن". ايماننا ان كلا منا لنفسه وربما كان لعائلته أي ان كلا منا يحس بفرديته، بانفراده وهذا ما يسمى باللغة الفلسفية فردانية. ليس لأحد لحمة مع الآخر. لا يقول اثنان في المعاملة انهما اثنان. يقول كل منهما انا واحد والى جانبي شخص آخر. كل منا يتقابل بمصلحته ويسعى اليها في الأنا الجامدة، المنغلقة على ذاتها، الراغبة في توسعها على حساب الآخر. وشعورنا ان السلطة السياسية أو الادارية قائمة للعقاب أي انها تحديدا عدوتنا. السلطة في احساسنا قائمة لإقصاء الشخص لأن لها في ذلك منافع وكأن السياسة لأهل السياسة وليست راعية للجماعة، والمجتمع بقرة حلوب عند اهل السلطة وتحلبه بتجديد قوتها في الانتخاب على أي صعيد كانت. هل السلطة تشعر انها فوق وان الشعب كله تحت، وقد يدعو هذا الشعب ان يشعر ان السلطة تستغله لمنفعتها هي. اذا كان وضعنا ان ثمة ناسا فوق وناسا تحت لا مجال للخضوع للقانون. اما اذا كان هناك حد أدنى من الإخلاص عند الحكام فالسؤال الشرعي المطروح على الناس هو لماذا تخالفون القانون؟ *** قد تكون الحالة اللبنانية اليوم ان شعبنا لا يثق بالسلطة وهذا لا ييسر حل المشكلات وهذا يتطلب تداول السلطة. غير ان هذا عندنا ليس بالأمر السهل. مثل على ذلك في كنيستي عندنا من يناط بهم المحافظة على الأوقاف. اننا نسميهم وكلاء الكنائس ونسميهم اليوم مجالس رعية وقد أقررنا مبدأ تغييرهم بعد انتهاء ولايتهم وبعض منهم متمسكون بالمقام الذي وضعوا فيه. يحسون ببعض المجد اذا بقوا في منزلتهم وهذا المجد لا ينبغي ان يخسروه أو ينقلوه الى اولادهم. السلطة، السلطة هي المشكلة في أي مقام بلغته. وتتحول سلطة مطلقة احيانا. وتحتاج انت الى صدام لتغيير الواقع. التلميذ الزعيم بين أقرانه لا يقبل ظهور وجه آخر لأن المجد لا ينتقل ولا ينبغي ان ينتقل. وفي العائلة الأولية للرجل لا يسمح ان تأخذ امرأة شيئا منها ولو كانت أذكى أو أحكم أو أطهر. الفردانية هي ذلك النظام العقلي والنفساني الذي لا يقبل التلاقي لأن الآخر تحديدا غير موجود وينال من الآخر نعمة أو هدية أو عطفا ولكن لا ينال حقا. شيء من هذا يفسر الصدام أو الكراهية بين لاعبي كرة القدم. الآخر مطلوب ان ينكسر لأنه ان لم ينكسر فهو موجود. في هذا الجو الاعتراف بالآخر تنازل عن وحدانية الطرف الذي يشعر بأنه وحيد. ترى شيئا من هذا في لعب النرد أو الورق. الآخر لا ينبغي ان يربح لأن الربح وجود. من مظاهر الفردانية عندنا ان الكثيرين عندهم سجلان للمحاسبة، احدهما مزور يظهرونه لمفتش المحاسبة ليسرقوا الدولة أي ليعطلوا الشركة بينهم وبين المواطنين الآخرين، ليبقى الفقير مدوسا في الوطن مع ان بين هؤلاء من يحسن الى المحتاج ولكنه يريد ان يحسن هو لا ان يحسن الوطن ممثلا بالدولة. والإحسان ان كان في طبيعته شركة يكون احسانه هو أي عطاء من خير كان له. وما كان شركويا يصبح عملا فردانيا يحمل متعة العطاء لا فرح العطاء الى الله بواسطة المعوز حبيب الله. لا يدخل الله ولا يخرج في حياة اللبناني الا في الطقوس الدينية التي تحمل فرحا فينا. في ترتيل النصوص المقدسة يتقدس أو لا يتقدس، يسمو أو لا يسمو هذا ما يعرفه ربك وحده. ان هذا الانسان لا يبتهج لسرمدية الجماعة. ينظر الى تأثره الداخلي أي انه لا يزال على فردانيته ولو أقام صلاة الجماعة. لذلك يقول لك المسيحي انا أصلي في بيتي يوم الأحد. انا لا أنكر عليه علاقته بالله لكنها علاقته هو لا علاقته بإخوته مجتمعين. أظن ان كل المسيحيين الذين يقولون إنهم يصلون في منازلهم في الآحاد منعزلون عن الإخوة. المفروض ان القامة هي الى القامة في حضرة الله ليرى ان هؤلاء ابناؤه مجتمعين لطاعته. *** غير ان أبلغ ما في الشعور الفرداني الانعزالي تصرفنا في قيادة السيارات. انت ترى من سيارتك انها معرضة للصدمة لأن سائقا آخر يهجم عليك بسرعة جنونية ولولا هذا الجنون لما مات عدد رهيب من الناس كل سنة. سؤالي البسيط ان كل هؤلاء الذين يقدمون امتحانا لنيلهم شهادة السواقة اعترفوا ضمنا أو صراحة انهم سوف يتمسكون بالقانون وهم يعرفون كيف ان التمسك ينجيهم من الكارثة تقع عليهم وعلى سواهم ويعرفون ان السرعة المعتدلة توصلهم الى الهدف الذي يقصدون ولو تأخروا على موعدهم دقائق قليلة. انا بت واثقا من أن خلاص عقليتنا من الفردانية يبدأ بتطبيقنا قانون السواقة لأن تطبيقه يدل اننا آمنا بجانب من القانون. لعل اول اصلاح تقوم به الدولة هو حرصها الشديد على سلامة السير لأن الدولة مربية. وما لا بد لنا من علمه اننا نحن والدولة مهما طغى الفساد على بعض من دوائرها عائلة واحدة وما من احد فوق أو احد تحت أي لنا ان نعتقد ان الدولة تحبنا وان بعضا من الحب القانون. المسلم يعرف ان دولته تطبق الشرع الإلهي أو تستلهمه. والمسيحي مفروض ان يؤمن ان "كل السلاطين قائمون من الله" مدوارة بالديموقراطية. مرة كنت في احدى دول الإمارات وكان في يدي ورقة رميتها على الأرض وكان كل رفقائي لبنانيين فانحنى احدهم على الأرض ورفع عنها هذه الورقة. لم افهم لماذا لا يعمل مثل هذا في بلدنا. لماذا يتقيد بقوانين البلد الذي يقيم فيه في الاغتراب ولا يتقيد بقوانين لبنان؟ هل الإصلاح يأتينا من ان نرى الحكم عندنا يستقيم ليؤمن به الشعب ام اننا نحن والدولة نسعى الى خيرنا مجتمعين؟ ما من شك عندي ان القانون يصلح المساوئ الكثيرة التي ورثناها من عهد المماليك الى آخر عهد الانتداب. ما من شك عندي اننا قادرون ان نصير حضاريين مثل اوروبا التي كانت مثلنا قبلية قبل ثلاثة أو اربعة قرون. اما آن الاوان ان نصلح قلوبنا وعقولنا لنبني وطنا على الشركة بين كل شرائحه وهذا يكفي بمعانقتنا الشرائع وبها يتجلى الله فينا.
|
Last Updated on Saturday, 20 August 2011 14:34 |
|