Saturday, 29 October 2011 00:00 |
Share النميمة
بقلم المطران جورج خضر، جريدة النهار السبت 10/29/2011
اذا أردت ألا تواجه نفسك أي حقيقة وجودك يصير لسانك سيفا على الاخرين لتقتلهم فيك اذ انت عاجز عن إبادة خطاياك او لا تراها لئلا تخيفك وتبقى مضطجعا على ذاتك التافهة. عندما يصير كل الكلام في السياسة مسيطرا على السياسة الخارجية، اي طعنا ببلد آخر، هذا يعني ان الزخم الجمعي في البلد المثرثر دليل الفراغ فيه والانتفاخ هو الفراغ. الآخر، اذذاك، جريحك او قتيلك اذ لا ترى نفسك ذا جروح او قريبا من التلاشي. انت لا تقدر ان تعترف لأن الاعتراف هو الكشف والكشف بدء التداوي او كله وهو اليقين ان الآخر طبيب لك او انك ناتج من فحصه ونصحه.
الثرثرة هي القوقعة اي هذا الانطواء على الفراغ. لا تستطيع ان تتحمّل الفراغ فتهرب منه لتدمير الآخر غير مدرك انك تدمّر نفسك. انك تبدأ تدميرها اذا أحسست ان الآخر اذا أحبك تكتشف ذاتك الحقيقية وتحبها اذا رغبت في إصلاحها بالمشاركة وهي نظرة الناس اليها بحب. تنوجد انت فقط اذا أحببت وانحنى عليك من أحب ربه. لعلّ الغاية الوحيدة لله في خلقه مسيرة المحبة فيه. فيها فقط يتجلّى الله والمحبة اقتفاء الكلمة الذي من البدء كان. اما اذا انطويت فلا بد لك من حديث يأتيك من الفساد والشر فيك وقد أغراك الهوى ونعني به جذور الخطيئة. اوساخ تعرف انت طبيعتها او لا تعرف ولكنك تنزعها من عمقك ونتيجتها الأذى ولو لم ترده صراحة وعمدا. ولكن لا بد من الأقذار ان تخرج لتقبع في نفس اخرى ما لم ترفضها هذه النفس لكونها طاهرة. فلا يصيب السهم دائما فتؤذي النميمة صاحبها فقط.
¶ ¶ ¶
الاخلاقيون يميزون بين الافتراء والنميمة. لم أجد في القرآن سوى افترى، وفي معظم الآيات هو الافتراء على الله كذبا او هو التكذيب بآياته ام سمى القرآن اعداءَ المسلمين مفترين من أمثال ذلك: «ولكن الذين كفروا يفترون على الله الكذب» (سورة المائدة، الآية 103)، "إن الذين يفترون على الله الكذب لا يفلحون" (النحل، 116). الكذب خوف عند فاعله وتجريح للآخر. هذا هو الافتراء ولكنك قد تقول عن الآخر امرا واقعا لا كذب فيه إما لأنك ثرثار وإما لقصد التجريح. تقول مثلا: هذا سرق وفي هذا تتحدث عن أمر حصل. هذا ما يسميه علماء الأخلاق نميمة ويقولون افتراء اذا لم يحصل سوء وانت اخترعته. أي كشف لعورات الناس يسيء اليهم اساءة كبيرة لأن هذا يدعو من له مصلحة بهذا الى ان يمزقهم تمزيقا وقد تلازمهم نميمتك طوال حياتهم. هذا يصح كثيرا اذا تناولت عفة النساء بطعن. يصدّق الناس هذا بسرعة ولا يسعون الى تدقيق في الأمر. وقد ينتقل الحديث من لسان الى لسان ويدمر عائلة او عائلات وانت مدعو الى ان تكون عن آثام الناس صامتا، والصمت ينجّيك دائما من الإفصاح الرذيل. الصمت مراقبة للنفس عظيمة اذ كثيرا ما تخلو هكذا في حقيقة ربها لأنها تكون منشغلة بالتوبة. اما الثرثار فلا يعرف التوبة. قد تجعلك اجتماعيات سامعا لكل شيء. هذا ترميه في بئر الصمت ولا تترك لنفسك مجالا للتأمل في معاصي الناس خشية ان تقع فيها. آباؤنا حذرونا من ان نتذكر خطيئاتنا الماضية بعد ان تبنا عنها خوفا من ان تغرينا بها ثانية. انت تتأمل في الفضائل وجمالها علها تجذبك اليها ولا تتأمل في الفاسدات لئلا تحلم بها او باقترافها.
¶ ¶ ¶
اقرأ هذا: "اللسان نار، وهو بين أعضاء الجسد عالم من الشرور ينجّس الجسد بكامله ويحرق مجرى الطبيعة كلها بنار هي من نار جهنم. ويمكن للإنسان ان يسيطر على الوحوش والطيور والزحافات والاسماك، واما اللسان فلا يمكن لإنسان ان يسيطر عليه... وهذا يجب ان لا يكون، يا اخوتي" (يعقوب 3: 5-13). اذا كان الرسول يرى الصعوبة في عفة اللسان ويطلب الينا مع ذلك العفة فهذا يعني انها ممكنة إن التمسناها من الله. الله لا يريد منك إلا نقاوتك اذا كانت قوية فيك تصبح ينبوعا لنقاوة الآخرين. كل منا يريد ان يكون محبوبا. لذلك يتقلص ويحزن ان انت افتريت عليه. كذلك يحزن ان نقلت عن لسانه ما أسره لك شخصيا. خذ هذه القاعدة ان تعتبر ان ما يقوله احد لك كثيرا ما لا يريد او يجرؤ على قوله لسواك. كل ما تسمعه اعتبره سراً كما يقول المسيحيون. اما اذا أدركت ان إشاعة حديث بلغك ينفع الناس ويقويهم في الحق فأشعْهُ على ألا تكشف حديثا ائتمنت عليه وما أراد صاحبه ان تذيعه. "المجالس في الأمانات" قاعدة سلوكية عندنا. لذلك كان الصمت اولى وأنفع في معظم الحالات. هنا استعفاف يبنيك ويبني الآخرين. ليس كل ما تعرفه مشاعاً. معظم الأشياء ملك لأصحابها ولمن ائتمنوهم، فتقيّد بهذا حفظا لطهارتك وحفاظا على سلامة الآخرين وصيتهم. كل انسان سره له وقد تسمح له الصداقة ان يخبر عنه اذا تأكد ان ما يقوله ليس فقط لا يؤذي ولكنه نافع. تحصّن بالصمت يجعلك مبلغا بصمتك. انه لا يحتاج دائما الى كلماتك لينقل الخير الذي اختزنته. الانسانية شركة محبة والمحبة تحتاج الى شهود يحيون انفسهم بالوصايا الإلهية ويحيون الناس بعطفهم ولطفهم ومعاضدتهم في الخدمة. هؤلاء كان الله بهم رحيماً. |
Last Updated on Saturday, 29 October 2011 09:35 |