Saturday, 17 December 2011 00:00 |
Share لغة الله
بقلم المطران جورج خضر، جريدة النهار السبت 12/17/2011
ان اقتراب الميلاد لا يحرّك عندي الشعور ان مسيحيي لبنان يقدمون المسيح لشرائح لبنان بما فيها شرائحهم. هم يكشفون انفسهم طوائف أي شعوبا منبسطة بتعددها لا ترق لها ان تصبح شعبا واحدًا اذ لا تتحسس لمسيح يعطيها هذا التوق. بكلمة أخرى هي شعوب فاهمة سوسيولوجيتها على هذا القليل من الروحانية التي تحمل.
واذا بقيت على ذلك فهذه الشعوب على دوام صراع والقضية باقية مجتمعيات ازاء مجتمعيات الى ان ينفجر هذا التعدد. عندما يفتخر اهل السياسة بتعدديتنا هم يشيرون الى كثرة الطوائف التي لا تتقاتل ظاهرا لكنها لمصالحها تضبط الانفجار حتى حين يأتي بلا قوة لتردعه لكن المسيحيين لا يفتشون عن دور لمسيحهم لأن الدوام لهم لا له. لقد قبل المسمون مسيحيين انهم والآخرين في حالة تراكم لا في ابتغاء اتحاد اذ الاتحاد من قبلهم يأتي من القلب والقلب يأتي من المسيح. لست أرى طائفة مسيحية مجموعة بالجامع الوحيد الذي هو المخلص واذا شعرت ببعض من تجمع فهذا يكون ازاء تجمعات أخرى بما هو الأقرب اليها في العقيدة. ما تتميز بها الجماعات ليس الوحدة حضورا أو شوقا ولكن الإزائية ولكون المسلم آخر تسمي وجودها معه تعددية والتعددية مذهب مجتمعي أو منحى. التعددية لا تعدو كونها اصطفافا أي لصوق اجساد وأجساد وليس قربى فكر لفكر أو انسكاب روح في روح. للمسلمين نظام كامل شرعي أو شريعي للتحدث عن لقائهم واهل الكتاب كما لهم لغة محدثة أي ملونة للشرع في هذا التلاقي. ما قوتها، ما سر نجاحها عليهم ان يبينوا ذلك لكن المسلمين نظريا امة تأمر بالمعروف وتنهي عن المنكر وهم على الأقل يريدون ان يستشعروا انفسهم قريبين من الله ليعاملونا والدين عندهم معاملة. وسط ذلك ما سمعت مسيحيا متزعما في قومه يقول ان مسيحيتنا في العيش اللبناني تفرض علينا هذا وذاك في المسالك. قد يكون هذا من المرتادين الكنائس وتقيا على نوع لكن مسيحه حبيس الكنائس ولا يعرف هذا الزعيم ان مسيحه احيانا يتنزه في المجتمع ليحييه وان المجتمع كائنة ما كانت عقيدتنا لا يقوم الا بروح عيسوية وهذا قول كثير عند مفكري الإسلام. لكنا نحن على مقربة اسبوع من الميلاد لا نلد فيه الناس كل الناس بحنان يسوع أي بشمولية محبته للقوم جميعا كائنا ما كان شكل صلاتهم أو شكل صومهم. وبلا أي تعميم أو حكم أقصده وبلا دينونة الكثير من كلام عند الرعاة كلام عن الطوائف اذ لست أرى انهم يريدوننا كنيسة بقدر ما يريدوننا طائفة أي تجمعا سياسيا. لقد اعتمدوا لغة هذا العالم حين قال لهم المعلّم: «انهم لا ينتمون الى هذا العالم كما انا لا أنتمي الى هذا العالم» (يوحنا 18: 17). *** هذا من خطبة الوداع. من قرأها بإمعان اذا قرأ الإنجيل كله يفهم ان يسوع الناصري أتى بلغة جديدة وانه أنهى كيانات وبدأ كيانات. بنعمته انت ترى عالما جديدا ولا تغرق في المؤسسات القائمة وان اضطررت الى ان تقوم معها بتعامل. على هذه الصورة تأبى ان تكون الكنيسة طائفة لها امجادها التافهة. انك انت اصطنعت مجدها لتقيم عليه مجدك الباطل ومجد المنتمين الى مجموعتك. انت واياهم تريدون هذه الأرض وتريدون ملكا ارضيا بغطاء سماوي وما هو بسماوي. تغيير اللغة شيء خطير. يجعلك من المنحدرين من برج بابل لا وحدة لك مع الحق ويجعل لسانك من ألسنة الناس حين جعل لك الروح القدس في العنصرة لسانا واحدا هو لسان الله الفائق السنة الملائكة واذا عطفنا هذا على نشيد بولس عن المحبة نفهم ان اللسان الوحيد المتروك لك من الله هو لسان المحبة. من هنا تبدأ حساسية. ومن هنا تبدأ الرعاية في الكنائس. ما نقرأ في كنيستي اليوم ان مريم كانت عذراء. «ستحبل العذراء، فتلد ابنا يدعى عمانوئيل، أي الله معنا» (متى 23: 1). اذا قرأنا هنا سياسيا افهم ان الطوائف المسيحية مدعوة الى ان تنقلب كنائس أي لا يكون فيها الا زرع الله بحيث لا تأتي من العالم بل تنزل من فوق الى هذا العالم. وكما ان يسوع لم يكن له أب جسدي لا يكون لها هي مشاعر دنيوية تحركها لكنها تشعر شعورا الهيا كأنها الله على الأرض. وهذا يتمشى مع فلسفة التجسد التي عليها نرتكز. وعند ذاك، نكون جميعا ومعا عمانوئيل أي الله معنا ونكون ردمنا الهوة بين اللاهوت والناسوت فينا ليكون كل واحد منا حاملا لاهوتا عظيما. وعلى غنانا الكبير نبقى فقراء الى الله والناس معا كأننا مولودون في مذود نعطي من فقرنا الغنى، مولودون في البرد ونعطي البشر جميعا الدفء والسياسة تحل بعضها ببعض ويدرك اخوتنا في الكنيسة والناس ان لنا لغة اخرى واننا قائمون لنعلمها الناس ونلح على ان نخاطبهم بها وعليهم ان يتعلّموا. تبدو السياسة من علم الاجتماع لكنها في تبلورها هي علم اللاهوت فكيف اذا صار اللاهوتيون علماء اجتماع ونسوا ما انتدبوا له لما كانوا على محبتهم الأولى. هل يعني هذا اهتداء، عنصرة يومية تميت هي وحدها الطائفية وتجعلنا مطلات السماء على الأرض؟ سنسعى الى ذلك حتى لا يتقيأنا الله من فمه على ما يقول الكتاب. *** اذ لم نقبل هذا نكون تذاكينا. هذا يعني في هذا السياق اننا أبدلنا الذكاء الإلهي فينا بالذكاء الدنيوي أي اننا اعتقدنا ان حكمة هذا العالم يجب ان تدخل الكنيسة لتصبح هذه فاعلة. بكلام آخر نكون قد ألحدنا. ما الإلحاد اليومي، العملي (اذ ليس من ينكر وجود الله من حيث هو كيان). الإلحاد العملي هو ان تتصرف كأن الرب لم يوحِ إليك يوما كيف تتصرف كأنه خالٍ من كلمة يبنيك عليها في هذا العالم كما هو هذا العالم الملحد. هو من احتسب ان الله ليس عنده شيء يقوله عن العالم وعن مخاطبتك اياه. انت في هذا العالم ولكن تكلمه بلغة الله وتحييه بها. عودا في هذا المنطق الى لبنان. التعددية ليست كثرة الطوائف ولا احترام الواحدة للأخرى. هو، بدءًا ان تخاطب كل مجموعة كما تفهم ان الله خاطبها فتطلب منها ان تأمر بالمعروف وتنهى عن المنكر وتطلب ذلك من نفسك بالزخم نفسه ولا نفور بين الله وذاته. أما كيف ترتب العلاقات بين شعوب هذا الوطن فيأتيك من بعد ذلك. كيف يريدك الله ان تلتصق بالآخرين لتعظيمهم وطهارة نفسك هذا هو السؤال. هذه شعوب مدعوة الى ان تكون إلهية حسبما تفهم علاقتها بربها وبعد ذلك تقترن بالشعوب الأخرى فيأتي لنا بلد لامسه الله. والباقي يعطانا زيادة.
|
Last Updated on Saturday, 17 December 2011 13:25 |