حفل توقيع كتاب "نجاوى" - كلمة السيد هاني فحص |
|
|
Saturday, 19 June 2010 00:00 |
Share كلمة العلامة السيد هاني فحص ألقتها السيدة ريا عبيد أجراس النخيل في كاتدرائيات الصحارى هذا الكتابُ، كما غيرُه من اقترافات جورج خضر، الفريدةِ حتى تعُمّ، والعامة حتى تخُصّ، أدخلني فيه من بابٍ سرّي لا يعرفه ولا يمر منه ألا أُخُصُّ خاصةِ الخاصة، أي الذين يتقنون ويدمنون المحبة.. ولم أحسن إقامة في الكتاب، إلا ريثما أخرج بين أذان وأذان، أتفقد بيتي الديني الخاص، ثم أعود الى البراح البيزنطي العربي اللبناني المشترك والفسيح، لأجد في الجيرة، حيطًا الى حيط وشباكًا الى شباك، وحوض حبق الى رف كتب.. وقرآنًا الى انجيل، وأعمال رسل الى نهج البلاغة.. وتراثًا هدوئيًا الى الصحيفة السجادية (أدعية زين العابدين) لأجد في هذا الجيرة، حضنًا يجيرني من نار مرض التوحد في الدنيا ونار الآخرة التي وقودها الناس والحجارة.
وكدت استمرئ الإقامة الدائمة، كأنني في منسك في طقس نُسكي دائم، لا أغادر ولو لفترٍ أو برهة، أو مسافة موضوعية تتيح لي وعيًا آخر للكتاب والكاتب، وعيًا مفارقًا. يقول بأننا اثنان يتحدان. لا واحد يتفارق. ولعلي بهذا الوعي أبدع في الكتاب نقدًا من خلال إعادة تشكيله على نص مواز له، ولكنه يسعى إليه، كأنه يريد أن يكتبه هو بذاته.. وكما هو، لأنه يجد فيه تمامية لا مزيد عليها.. ولم يتيسر لي ذلك أي المسافة، لسبب أنا اعرفه، وقد يستشعره غيري في غبطتي بالنص الجميل الذي يبلغ مني الى حيث يصبح نصي، أما إذا كان كاتبه، شأن المطران خضر، لا يبارح مرآتي، فإن الإلتباس يصبح حلولاً.. وأخيرًا قررت أن أملاً في الكتاب فراغات تخيلتها أو اختلقتها، وكأني أريد أن اقدم نصًا اعتراضيًا لنصوص الكتاب، لعلّ ما أكتب يصبح ضميمة الى الأصل، واصبح كاتبًا عرْضيًا، في عَرْض الكاتب، أو في طوله.. على يمينه أو يساره في الأيقونة.. وما استطعت.. فقلت صلِّ على النبي يا رجل.. كن قارئًا مستمتعًا حتى الثمالة.. حيث تَثْمَل وتُثْمِل.. وكفى. "يا رئيس السلام" - ص 10 هكذا ينادي المطران خضر يسوع المسيح. نعرفه، يسوعنا، كما رأيناه بأم العين والعقل.. بعين الله، جالسًا على عرش القلب يشعُّ نور بهيّ من وجهه على الشوك الذي يكلله.. و يقول المطران "نؤثر الإقامة فيه على الإقامة في خطايانا" – ص 11، فماذا جرى أيها السيد المطران المواطن جورج خضر لتعيّنه رئيسًا؟. كأنك تقوم بانقلاب جمهوري على المملكة.. على الملكوت.. على يسوع الملك! يردّ عليّ المطران سريعًا (ص 16): "السلطة وحدها تفشل وأنت لا قوة لك إلا سلطان الحب".. إذن لسنا حيال سلطة، دنيا، دنية. هي دينونة.. وفيها ينفتح الدرب للمتأله، طالب الألوهة، إلى الله. كأنهما يتماهيان.. "دنا فتدلى فكان قاب قوسين أو أدنى".. فيستحق المأمور الإمرة والآمرية والإمارة "عبدي أطعني تكن مثلي، تقول للشيء كن فيكون".. وفي أدبياتنا الفلسفية يقول القائلون: "بمقتضى اللطف يجب على الله كذا وكذا" ويُروى "إن لله عبادًا إذا أرادوا أراد" وأن "المؤمن يرى بعين الله" ويزيد بعضهم "أن الله يرى بعين عبده المؤمن". وها هو المطران.. رجل المدينة وراعيها، جورج خضر، يَنْشُد سلامًا، ويُنْشِد سلامًا.. يعيش سلامًا، كأن السلام دولة.. ولا بد لها من رئيس. ولكن الدولة تقتضي تداولاً، فماذا يا سيادة المطران، أيأتي يوم تدعي فيه أنك رئيس دولة السلام؟ قد.. وقد.. لولا يقينك ويقيني.. ويقيني بيقينك بأنه لم يمت بل ارتفع أو رُفع.. أو أنه قام من بين الأموات.. حقًا قام. فقل لأهل المسجد والكنيسة – أن يتواضعوا وللمتواضع منهم أن يتواضع أكثر، لأننا نريد قوة وأقوياء أكثر.. وهل أقوى من الضعيف، أو القوي المستضعف.. واسألوا المرأة، إسألوا مريم العذراء والمجدلية والمصرية التي يذهب منها جورج خضر الى رابعة العدوية على طريق الحب والحرية.. أسألوا الأطفال واغسلوا أقدامهم كما فعل السيد.. إسألوا ذلك الطفل اللاطي في جبة جورج خضر.. بين عروة الصدر وزر القلب. وورد الذاكرة ومخافة الحرب وحضور الرّب. يأسرك في نجواه ونجاواه.. يُعديك ويُغريك إن بكى وإن ضحك، ويجتاحك إن خاف أو جاع.. قل لهم أن يكفوا عن تسليع المرأة وترويع الأطفال رفاقك في المسيح.. قل لأهل الدين كفاهم طيالسة وصفوفًا أولى.. كفاهم فواصل بين حياتهم وعظاتهم.. بين سرهم وعلنهم.. بين إزارهم وما في الإزار.. خلافَ ذقتَه في المسيح وتلذذت وتأسيت فآسيت وساويت فاستويت "نجارًا وعشير صيادين" – ص 21، تنجِّرُ مذبحًا لذبح شهواتك وتصطاد لغةً لمحبتك وعفتك وتنعف معروضات البازار في الهيكل. بلى أيها السيد المطران.. عندما سمعت بيسوع أصبح من ساكنيّ.. وعندما تعلمت فك الحرف والقلب رأيته مثالاً عند علي: "وإن شئت قلتُ في عيسى بن مريم –عليه السلام- فلقد كان يتوسد الحجر ويلبس الخشن ويأكل الجَشِب، وكان إدامه الجوع، وسراجه بالليل القمر، وظلاله في الليل مشارق الأرض ومغاربها، وفاكهته وريحانه ما تنبت الأرض للبهائم، ولم تكن له زوجة تفتنه ولا ولد يحزنه ولا طمع يذله، دابته رجلاه وخادمه يداه". فاستكملت وِردي بوِردك ووَرْدك.. ووصلت دعاء الصباح بالأبانا.. وحمدت الله على الكفاف لأنه فيض لا يُغيض ولا يَغيض.. ولهو جميل وعزاء جميل.. أن تقول لنا أن بمولده انهارت الحواجز بين الحر والعبد" – ص 26، ولماذا لا تزول العبودية؟ تقديري ان الله يفرح بزوال العبودية حتى لو لم يعبده الذي كان عبدًا وصار حرًا. أليست عبادة الله هي الحرية؟ أليست الحرية هي عبادة لله؟. وعليه.. وكما قلت "لن يقوم بلدي ما لم يدرك خطأه" – ص 23، وهل المستبد سوى مجموعة استبداداتنا؟. خذنا.. "خذني.. كما أخذتنا دومًا الى الناس كما هم، لا الى ما يقولون" – ص 71. كأنك تقول: إكرهوا المعصية لا العاصي.. حسنًا وما جدوى الكتابة إن لم تنهض أو تَنْهَد الى مضارعة عقل وقلب القارئ؟ وهل النص غير قارئه. وإن لم أكن مكتوب الكتاب فما أنا بقارئه حتى لو قرأته، لأنه لا يقرأني.. هذه أنانية تشبه صفات الله الذاتية.. أي انها حميدة لأن مآلها غيريّ.. الى الغير.. وهل هذا ممنوع؟ إن من يرغب في تجلي المطلق، لا بد أن يجتهد في إطلاق المحدود ليزدهر الجدل الجميل بين الرب والمربوب.. وأفهمُ.. أفهمُ أنا المسلم.. أفهمُ المسيحية أكثر. وأوافق على أن الحرية هي استحقاق الطهارة – ص 33. حينئذ يصبح القيد المادي.. الحديد.. بمنزلة السوار حول المِعْصم.. زينة لا شوهة.. ألم تكن المسامير في كفيه تلمع كخواتيم من جُمان وذهب بفصوص من درّ وعقيق وياقوت؟ هنا يصبح العبد حرًا والحر عبدًا.. والضعيف قويًا حتى تأخذ الحق له، والقوي ضعيفًا حتى تأخذ الحق منه. هل يصح في لغتنا أو في صلاتنا أن نقول مترادفات كالجمال الحق الحقيقة المحبة الورد الشوك النور الله الإنسان الحرية عرق الكادحين أشواق المحرومين دماء الشهداء لبن الأمهات المرضعات.. النخيل.. المخاض.. المزود السعف الرطب.. ثغاء الحملان.. هديل الحمام.. نجمة الفرس.. "يا معلم الجمال الجديد" – ص 51.. ويقول المطران خضر في ذات الصفحة (51): "لا تبرح فالأشواق تجرّحت، حسبنا ظلك علينا لئلا نختفي"، كأننا ظله به وفيه وله.. نرانا فيه.. ولا نرانا من دونه، وإن كان يرانا.. لأنه وإن مدّ ظلّه وظلّلنا، وسائر الكائنات.. فإنه شفاف كثوب العروس أو قلب التي وَلَدت لتوها.. بل هو يظلّلنا لأنه شفاف.. ولو لم يكن شفافًا لما ظلّلنا ولو لم يظلّلنا لما عرفنا أنه شفاف لما.. (شُفنا).. قولوا لأهل الدنيا أهل الجاه والمال: إن ظلهم ثقيل وسميك، فليخفضوا من شحومهم ودهونهم وأدهانهم الحرام بالحلال.. وليستبدلوا الطيب بالخبيث.. و"التائب من الذنب كمن لا ذنب له". أعرف أيها الحبيب.. لأني منذ عقود أعيش على حافة الرهبنة، أعرف كيف يشتعل العشق وتحتدم أسراره وتتوهج بالعفة وانتظار الجنة التي بين أشجارها سرائر العشق" – ص 51، كما تقول أو تعاين أو تعاني ببصرك وبصيرتك "لقد دخلت الغانية الى صومعة وانكسر الرباب" – ص 51، لقد وصلت الى آخر المعنى.. الى معنى المعنى.. فمهلاً مهلاً حتى لا تودي بنا.. فيُدركنا العجز عن قطف الرطب من نخيل كلامك المنخول أو المقطر ثلاثًا بإنبيق من مرجان وبلّور. يقول علي "إن من الكلام لكلاّم". ويقول النِّفري: "كلما اتسعت الرؤية ضافت العبارة". ومثلك من يذوق ويذيق بلاغة الصمت وإرخاء العين في الصدر وفصاحة الغموض وجمال النص في رحبة التأويل وعناقيد المجاز.. "كان آبائي بداةً.. يحلمون بالمطر.. الأرض اليابسة موعد جلاء.. وتفرغ القفار.. والناصري يتبدى مع شعبي.. يحل إذا حلوا.. يركب الرياح والغبار.. يحالف القحط والندى.. دفق صمت ودفق كلام.." – ص 102. حبيبي العتيق المعتق المطران خضر.. أوقع على حكمتك وأعدك بالعمل بها.. ألم نعمل بها منذ عقود؟ عندما خرجنا من زنزانة البارحة؟.. ما رأيك لو تمنينا على محابيس الكهوف المذهبية والحزبية والعقائدية، أسرى البغضاء والقطيعة، أن يحسدونا على ما فينا من نعمة الصفاء والنقاء والخوف من الدنس.. ويأبى المطران خضر.. إلا أن ينقلنا من بستان نفسه، من حدائقه الداخلية، الى مشهد تحضر فيه البوادي، وتدب الحياة في الجماد.. فإذا النخيل.. ذلك الذي هزت الحامل الرؤوم أوان مخاضها الكوني، واحدة منه في غير موسم وفي عز الصقيع.. فاسّاقطتْ عليها رطبًا جنيًا وإذا "النخيل كاتدرائيات الصحارى" – ص 134. ما هذه الغسانية البيزنطية؟. ما هذه اللوحة التي تبحث عن معادلها في الكون والطبيعة والإنسان والرمل والشمس والروح والريح "بين غرناطة والبصرة.. على قوارب البردي يُنقل الرُّطب" – ص 134 فإذا الطعم عسل.. وكأنك يا عزيزي تقول عسلاً وتطعم الناس كلامًا عسلاً أيضًا بل ودائمًا.. شكرًا . شكرًا.. وكفى.. أنا طالب علم.. أنا مشتهي إبداع.. أنا منهوم لا يشبع.. فارفع السماط.. اختُمِ الطقس.. خذ قَفيرك وكتابك ونجاواك الى بِيعتك.. فالمصلون الأرثوذكس أولى مني به لأنهم يعرفون ويعاينون ويعانون ولادة الحرف والكلمة من شفتيك، ومن رحم يراعك دامية حبرًا مغسولة بالميرون.. وأنا مهما أقترب.. لا أصل.. أظن أني أصل فأفرح وأطرب وأندهش.. وأبقى على مسافة ما.. كالمسافة بين أذني وعيني، بين صلاة الجمعة وصلاة الأحد.. بين عاشوراء ورتبة دفن المسيح.. بين بيت لحم والمسرى.. سأبقى على هذه المسافة التي تمتعني بغيريتي منك.. لأنها تستحثني على معرفتك أكثر.. وأبقى شاهدًا لبهائك.. بهائك فيه ومنه وعليه.. يسوعك.. رئيسك.. مليكنا الفادي المفدّى.. "الجرح يا سيدي ميراث الماضي" – ص 170. "تهمله بالتعزية عنه" تمسحه فينتشر عطرك حياة وحبًا و "هل الدين إلا الحب". إني أنتحل ما تقوله بشجاعة العاشق "يا وحدة الله في وحدة بلدي" – ص 170. وهنا تسعدني طفولتي كما تسعدك وتسعدنا طفولتك.. لأن "الأطفال فقط يفهمون" – ص 72. أحسنت يا سيد.. أعد لله أبوك وأمك ورعيتك وحارة النصارى وطرابلس الفيحاء.. وبارك يا سيد هذا الحبر المهراق.. كرمى لعينيك.. لعيننا في عينيك يا بن مريم يا بن الإنسان. يا جَلوة التوحيد والألوهة.. وذروة الإنسان. ومعشوق جورج خضر الذي أحسن في تعشيقنا. |
Last Updated on Sunday, 27 June 2010 23:35 |