Article Listing

FacebookTwitterYoutube

Subscribe to RAIATI










Share

للمقبلين على سرّ الزواج المقدّس رجاءً مراجعة موقع:  wedding2

مركز القدّيس نيقولاوس للإعداد الزوجيّ

Home Raiati Bulletin Raiati Archives Raiati 2020 العدد ١٥:عقارب ساعتنا وتدبير الله: ثمار خبرة واعدة
العدد ١٥:عقارب ساعتنا وتدبير الله: ثمار خبرة واعدة Print Email
Written by Administrator   
Sunday, 12 April 2020 00:00
Share

raiati website copy

الأحد ١٢ نيسان ٢٠٢٠ العدد ١٥ 

أحد الشعانين

كلمة الراعي

عقارب ساعتنا وتدبير الله: ثمار خبرة واعدة

1520 توقيت الله لخلاص الإنسان حاضر أبدًا. كلّ وقت مفيد له في حركة عقارب ساعة الخلاص. لربّما نظنّ أنّنا نسيطر على مجرى الأحداث وأنّه بإمكاننا أن نغيّر عمل عقارب هذه الساعة، ولكنّ الأحداث التي يطالعنا بها إنجيل أحد الشعانين تثبت العكس تمامًا. المشهد الذي يظلّل هذه الأحداث يكمن في إقامة يسوع للعازر من بين الأموات، أمّا أبطالها فمعروفون منّا: لعازر وأختاه، التلاميذ الاثنَا عشر، اليهود ورؤساء الكهنة، وسكّان أورشليم.

دقّت ساعة مريم، فدهنت قدمَي يسوع بالطيب ومسحتهما بشعرها. أتى عملها ضمن توقيت تدبير الله العظيم، أو هو شاء أن يعطي ما قامت به هذا التفسير الجليل، وذلك على ضوء اعتراض يهوذا على إسرافها في شراء الطيب عوضًا من تخصيص المال للفقراء. إليكم كيف اختصر يسوع ذلك: «اتركوها! إنّها ليوم تكفيني قد حفظته، لأنّ الفقراء معكم في كلّ حين، وأمّا أنا فلستُ معكم في كلّ حين» (يوحنّا ١٢: ٧). بالفعل، فإنّ ما قامت به مريم يتوافق مع تدبيره من حيث لا تدري، إذ لن يستطيع أحد أن يطيّب جسد المسيح بعد موته، لأنّه سيقوم قبل أن يؤدّي أحد هذه الرتبة الجنائزيّة! ها مريم قد استبقت بتطييبها يسوع الآن، ما ستفرضه قيامة يسوع من واقع جديد! لقد وضع يسوع ما صنعتْ في سياق قيامته منذ قبل حدوثها!

هناك ساعة أخرى دقّت أيضًا. إنّها ساعة اليهود وبشكل خاصّ رؤساء الكهنة. كانت عقارب ساعتهم تشير إلى انخراطهم في مشروع القضاء على البشرى، وعلى أيقونتها ذي الوقع الشعبيّ الكبير، لعازر، من بعد أن أقامه يسوع من بين الأموات، ظنًّا منهم بأنّهم يقطعون دابر الإيمان به: «فتشاور رؤساء الكهنة ليقتلوا لعازر أيضًا، لأنّ كثيرين من اليهود كانوا بسببه يذهبون ويؤمنون بيسوع» (يوحنّا ١٢: ١٠-١١). هؤلاء أيضًا، من حيث لا يدرون، خدموا التدبير الخلاصيّ. فإضافة لعازر على لائحة مَن تجب تصفيتهم، أي يسوع، لن يغيّر من تصميم يسوع على الذهاب في تقدمة ذاته حتّى النهاية، تلك التقدمة التي أعدّ تلاميذه من أجلها متى ضُبطت عقاربها.

ساعة ثالثة دقّت. إنّها ساعة الملك نفسه، وليست ساعة إحبّائه أو أعدائه! إنّها ساعة الدخول في المشهد الأساس للتدبير الخلاصيّ، المشهد الذي لن يراه أحد مرّة أخرى إلّا لـمّا يأتي هذا الملك بمجده مع ملائكته القدّيسين. هكذا تمّ استقباله: «أوصنّا! مبارك الآتي باسم الربّ! ملك إسرائيل»، صيحة تحوي دقّات ساعة قديمة أنبأت بشأنه: «لا تخافي يا ابنة صهيون. هوذا ملكك يأتي جالسًا على جحش أتان» (يوحنّا ١٢: ١٣، ١٥).

لا شكّ في أن دقّات الساعات هذه لم يسمعها معاصرو يسوع، ولا حتّى أقرب المقرّبين إليه. هؤلاء بالذات كان ينقصهم، حتّى يدركوا ويقتبلوا ما جرى، القيام بثلاث خطوات أساسيّة، متكاملة ومتعاقبة. أوّلًا، أن يأخذوا مسافة من الأحداث كلّها، وهذا حصل بفعل هربهم من البستان واختبائهم خوفًا (متّى ٢٦: ٥٦؛ يوحنّا ٢٠: ١٩)؛ ثمّ، أن يقوموا بجردة حساب داخليّة، رصينة ومؤلمة، كما استبان لنا جليًّا مع توما (يوحنّا ٢٠: ١٩-٢٩)؛ وأخيرًا، أن تنضج توبتهم الخاصّة على ضوء ما ستكشفه الأحداث الإليمة في الأسبوع العظيم، كما رافقنا خبرة بطرس (متّى ٢٦: ٧٥؛ يوحنّا ٢١: ١٥-١٩). أَليس هذا ما أراد الإنجيليّ بخفر أن يمهّد له بقوله: «وهذه الأمور لم يفهمها تلاميذه أوّلًا، ولكن لـمّا تمجّد يسوع، حينئذ تذكّروا أنّ هذه كانت مكتوبة عنه، وأنّهم صنعوا هذه له» (يوحنّا ١٢: ١٦)؟ هذا كلّه تكشّف للتلاميذ من بعد عيش خبرة شخصيّة في مواكبتهم آلام المسيح وقيامته، ولم تأتِ بثمار إلّا بعد معاناة وصبر وانقشاع بصيرتهم، وذلك بظهور الربّ لهم من بعد القيامة ثّم انسكاب النعمة عليهم في العنصرة.

اليوم تدقّ ساعتنا نحن! فالمؤمنون يريدون أن يعيشوا ما رسمته كنيستنا في طقوسها وليتورجيّتها، خصوصًا في الأسبوع العظيم والفصح. وهذا بدهيّ في حياة الكنيسة. ظروفنا الاستثنائيّة تطرح علينا أن نتعاطى مع واقع جديد بالكلّيّة. كيف يمكننا معالجته؟ هل ينفعنا الالتجاء إلى خبرة التلاميذ الصعبة خلال هذا الأسبوع؟ هلّا تأمّلنا في الخبرات الثلاث التي عبروا بها: أخذ المسافة من أحداث حياتنا، كما يحصل معنا اليوم في الحجر الصحّيّ؛ ثمّ القيام بجردة حساب شخصيّة، أي مراجعة الذات واكتشاف مواطن ضعفنا الروحيّ، وذلك على ضوء حرماننا من النعم الكثيرة، الروحيّة والمادّيّة، التي لربّما لم نشكر عليها كثيرًا؛ وأخيرًا، اختبار الانسحاق الذي يفرضه الجوّ العامّ والذي يجعل المرء يلتمس الربّ من عمق أعماقه؟

هل تعتقدون أنّ خوض هذه الخبرة يفيد خلاصنا أضعاف ما كانت خبرتنا ترفدنا به حتّى قبل حدوث الأزمة؟ هل تعتقدون أنّ هذه الخبرة، المريرة والقاسية، يمكنها أن تساعدنا على بناء معالم حياتنا الأبديّة منذ الآن؟ هل تعتقدون أن باستطاعة الربّ أن يثمّن خبرتنا هذه عبر تجديدنا وإطلاقنا لحمل بشراه إلى العالم؟ هل يمكننا أن نضبط ساعتنا على عقارب ساعة الله بحيث لا يفوتنا قصده من هذه الأحداث ولا الثمار المباركة التي نجنيها منها؟ هل يكفينا أن تتبلور أمامنا كيف ستكون ثمار جهادنا الحاليّ حتّى نصبر مؤقّتًا على حرماننا من عيش الخدم الكنسيّة؟ ربّ قائل: حقّ التلاميذ علينا أن نختبر اليوم ما اختبروه حينها، ليصْلَب عودنا وتتجدّد فينا روح المسيح ومحبّته وخدمته. ألعلّ هذا هو درب صليبنا اليوم وقيامتنا أيضًا؟

سلوان
متروبوليت جبيل والبترون وما يليهما
(جبل لبنان)

 

الرسالة: فيليبّي ٤: ٤-٩

يا إخوة افرحوا في الربّ كلّ حين وأقول أيضًا افرحوا، وليَظهَر حِلْمُكم لجميع الناس فإنّ الربّ قريب. لا تهتمّوا البتّة، بل في كلّ شيء فلتكن طلباتُكم معلومة لدى الله بالصلاة والتضرّع مع الشكر. وليحفظ سلامُ الله الذي يفوق كلّ عقل قلوبَكم وبصائرَكم في يسوع المسيح. وبعد أيّها الإخوة مهما يكن من حقّ، ومهما يكن من عفاف، ومهما يكن من عدل، ومهما يكن من طهارة، ومهما يكن من صفة محبّبة، ومهما يكن من حُسْن صيت، إن تكن فضيلة، وإن يكن مَدْح، ففي هذه افتكروا. وما تعلّمتموه وتسلّمتموه وسمعتموه ورأيتموه فيّ فبهذا اعملوا. وإله السلام يكون معكم.

 

الإنجيل: يوحنّا ١٢: ١-١٨

قبل الفصح بستّة أيّام أتى يسوع إلى بيت عنيا حيث كان لعازر الذي مات فأقامه يسوع من بين الأموات. فصنعوا له هناك عشاء، وكانت مرتا تخدم وكان لعازر أحد المتّكئين معه. أمّا مريم فأخذت رطل طيب من ناردين خالص كثير الثمن ودهنت قدمي يسوع ومسحت قدميه بشعرها، فامتلأ البيت من رائحة الطيب. فقال أحد تلاميذه، يهوذا بن سمعان الإسخريوطيّ، الذي كان مزمعًا أن يُسْلمه: لمَ لم يُبَعْ هذا الطيب بثلاث مئة دينار ويُعطَ للمساكين؟ وإنّما قال هذا لا اهتمامًا منه بالمساكين بل لأنّه كان سارقًا، وكان الصندوق عنده وكان يحمل ما يُلقى فيه. فقال يسوع: دعها، إنّما حفظَتْه ليوم دفني. فإنّ المساكين هم عندكم في كلّ حين، وأمّا أنا فلستُ عندكم في كلّ حين. وعلم جمع كثير من اليهود أنّ يسوع هناك فجاؤوا، لا من أجل يسوع فقط، بل لينظروا أيضًا لعازر الذي أقامه من بين الأموات. فأْتَمَرَ رؤساء الكهنة بأن يقتلوا لعازر أيضًا، لأنّ كثيرين من اليهود كانوا بسببه يذهبون فيؤمنون بيسوع. وفي الغد لمّا سمع الجمع الكثير الذين جاؤوا إلى العيد بأنّ يسوع آتٍ إلى أورشليم أخذوا سعف النخل وخرجوا للقائه وهم يصرخون قائلين: هوشعنا، مبارك الآتي باسم الربِّ، ملكُ اسرائيل. وإنّ يسوع وجد جحشًا فركبه كما هو مكتوب: لا تخافي يا ابنة صهيون، ها إنّ مَلِكك يأتيك راكبًا على جحش ابن أتان. وهذه الأشياء لم يفهمها تلاميذه أوّلًا، ولكن، لمّا مُجّد يسوع، حينئذ تذكّروا أنّ هذه إنّما كُتبت عنه، وأنّهم عملوها له. وكان الجمع الذين كانوا معه حين نادى لعازر من القبر وأقامه من بين الأموات يشهدون له. ومن أجل هذا استقبله الجمع لأنّهم سمعوا بأنّه قد صنع هذه الآية.

 

طريقنا نحو الأسبوع العظيم

ها قد بلغنا مشارفَ الأسبوع العظيم المجيد. ها قد جزنا الأربعين المقدّسة، مغتذين من المنّ النازل من السماء - كلمة الله المسموعة والمتناوَلَة؛ تتقدّمنا العذراءُ تابوتُ العهد، والعصا المفرعة، بمديحها الذي لا يُجلَسُ فيه؛ ويخطفنا داود بمزامير صلاة النوم الكبرى، ومنسّى في صلاته- توبته، من مشاهدات الدنيا، الى صومعة القلب، حيث نجوزُ صحراءَ سيناء العقليّة، نحو أقاصي دواخل قلوبنا. فالصوم هو حركةٌ نحو الداخل. رحلةٌ في الأبديّة، نترافق فيها مع «الطريق»، نحو «الطريق» (يوحنّا ١٤: ٦).

يُحكى عن الأب سيرابيون الصيدونيّ، وهو أحد آباء البرّيّة في مصر من القرن الرابع، أنّه ذهب مرّةً الى مدينة روما حاجًّا، وكان قد سمع عن معتزلةٍ تعيشُ في غرفة صغيرة، لا تغادرُها البتّة. بدا متحفّظًا تجاه اعتزالها، لكونه اعتادَ أن يجولَ دائمًا. فقرّر أن يزورَها؛ وسألها: «ماذا تفعلين وأنتِ جالسة هنا»؟ أجابته: «إنّني لستُ جالسةً، ولكنني سائرةٌ على الطريق».

المسيحيّ إذًا، كما يصفه الأسقف كاليستوس وير، هو الإنسان السائر على الطريق. حتّى وهو نائمٌ، يكون في حركة دائمة، «أنا نائمة، لكنّ قلبي مستيقظ» (نشيد الأناشيد ٥: ٢).

وهذه الحقيقة، عبّر عنها المسيحيّون الأوّلون بعمق كبير؛ فنرى في واحد من أقدم المؤلَّفات التي وصلت إلينا منهم، «تعليم الرسل الاثني عشر» (مطلع القرن الثاني)، صدى لهذه الرؤية. فنقرأ في مطلع الكتاب: «ثمّة طريقان: طريق للحياة، وطريق للموت. الفرق بين الطريقين كبير. طريق الحياة هو الآتي: أوّلًا  «أَحببِ الربَّ الذي خلقك»، ثانيًا «أحبب قريبك كنفسك»... كنْ كاملًا... لا تكرهْ أحدًا. وبّخ البعض وارحمِ البعض، وصلِّ من أجل الجميع. أَحببِ الآخرين أكثر من نفسك». أمّا طريق الموت فهذا: إنّه شرّير مليء باللعنات والزنى، والفجور والرغبات والسرقة وعبادة الوثن...». ويُنهي الكاتب مقطعه، «احذر من أن يُضلّك أحد عن الطريق».

الطريقُ إذًا عندنا ليس وجهة، إنّه وجه. هو شخص. عبورٌ الى وجه يسوع. إصلاح ما قد فسُد، بتوبةِ مَن قد فسُد.

هو فرصةٌ نحياها اليوم، بصعوباتها وتحدّياتها. فرصةٌ للولوج إلى الداخل، لكي نرتقيَ بالداخل إلى فوق، «لنرفع قلوبنا إلى فوق» (مراثي إرميا ٣: ٤١).

هذه رحلتنا المبتغاة. رحلةٌ، انطلاقتها قرارنا؛ لوازمُها الكلمة وأصداؤها؛ وغايتها الكمال (متّى ٥: ٤٨).

في هذه الرحلة عراقيل وتحدّيات عديدة، أو أصنام، ينبغي لنا أن نهدمها، لنختبر الفصح، كما يشاؤه «حَمَلُ» الفصح (يوحنّا ١: ٢٩؛ ٣٦).

أوّلًا، صنم العادة، أي ألّا نحيا من العيد سوى عاداته؛ اللباس، الأكل والشرب والصور... فنعلق في قشور العيد ولا نختبر عمقه وجوهره.

ثانيًا، صنم العبادة، أي أن نحصر القيامةَ بالعبادة، أي في الطقوس والترانيم والصلوات والأصوام، من دون أن تساعدنا هذه على عمليّة تبدّلنا وتجديدنا «قلبًا نقيًّا اخلقْ فيَّ يا الله، وروحًا مستقيمًا جدِّدْ في أحشائي» (مزمور ٥٠: ١٢). فإن لم نتغيّر ونزد حبًّا لله وخَليقته، نكون في العبادة أو العادة لا في الحبّ، ولا يبدّلنا سوى الحبّ.

ثالثًا، صنم التاريخ، أي أن نعيّد وكأنّنا نحيي مجرّد تذكارٍ لقيامة المسيح قبل ألفَي عام، فنحصر القيامة في التاريخ.

وعتِ الكنيسة خطورةَ هذا الأمر، فشدّدت في أغلب ترانيمها على أنّ ما نختبره اليوم هو نفسه ما اختبره التلاميذ مع يسوع منذ ألفي سنة، لذا تراها تبدأ أعظم التراتيل بعبارة «اليوم». فـ «اليوم يُعلّق على خشبة...»، «اليوم يوم القيامة...»، «اليوم ستر الهيكل انشقّ تبكيتًا لمخالفي الناموس...»، «اليوم يهوذا يغادرُ المعلم ويتّخذ الشيطان...». فما صار مرّةً، نعيشُ نحن صداه - نعمَه وبركاته، كلّ يوم «ذوقوا وانظروا ما أطيبَ الربّ، لأنّه إذ قد صار سابقًا مثلنا لأجلنا، مقدّمًا ذاته مرّة واحدة قربانًا لأبيه، فهو يُذبح دائمًا مقدّسًا الذين يتناولونه» (من صلاة المطالبسي).

أمّا الصنم الرابع والأخطر، فهو صنم الأنا. فإن لم يكن صاحبُ العيد سيّدَ العيد وسيّدَ حياتنا وقلوبنا، وبقيت الأنا مركز حياتنا، ستكون حياتنا- طريقنا، نزهةً إلى اللامكان؛ مضيعة للوقت؛ خسارة للوعود.

تحطيمُ هذا الصنم قبل الفصح، يبدأ في الصَّفح. فمن لا يعرف الصَّفح، لن يعرف الفصح، «اليوم يوم القيامة، فسبيلنا أن نتلألأ بالموسم، ونصافح بعضنا بعضًا، ولنقلْ: «يا إخوة»، ولنصفح لمبغضينا عن كلّ شيء في القيامة...».

ما نحياه اليوم استثنائيّ. تاليًا، ما يجب أن تكون عليه تصرّفاتنا استثنائيّ أيضًا. فإن أردنا بصدقٍ أن نختبر فصحًا، علينا أن نختبر أوّلًا ما نصلّيه كلَّ يوم وبعد كلِّ طلبة، أي أن «نودعَ ذواتنا، وبعضنا بعضًا، وكلّ حياتنا، المسيح الإله».

 

الفتية الثلاثة القدّيسون

نُردِّد تسبحة الفتية الثلاثة القدّيسين في التسبحتَين السابعة والثامنة صباح كلّ يوم، وفي كلّ قانون، وبالأخصّ في السبت العظيم المقدّس. هم من أشراف العبرانيّين من المملكة اليهوديّة. يذكر كتاب دانيال النبيّ أنّه في السنة الثالثة من تملُّك يهوياقيم على يهوذا، حضر نبوخذنصَّر ملك بابل وحاصر أورشليم. أمَرَ نبوخذنصَّرُ رئيسَ خدّامه بأنْ يُحضِر معه إلى بابل، فتيانًا حِسان المنظر، أقوياء البُنية وحكماء.

أخَذَ رئيسُ الخدَم أربعة فتيان من بني يهوذا، هم: دانيال النبيّ، وحَنانيا، وعَزَريا، وميصائيل (دانيال ١: ٧). بدءًا، ألغى أسماءهم العبريّة وأعطاهم أسماء بابليّة. ولـمّا أتاهم بالطعام رفضوا أن يأكلوا كيلا يتنجَّسوا بما لا يوافق الشريعة، وطلب دانيال إليه أن يعطيهم عوضًا من ذلك بقولاً وماء فقط. ولم تنحرف بالصوم صحّة الفتية بل كانت أفضل من البقيّة، وكان فكرهم دائمًا عند الله. يُصلّون ويطلبون إليه أن يرحمهم، ويشكرونه على كلَّ شيء يمرُّ معهم.

لكنّ العُتوَّ بَلَغ بنبوخذنصَّر مبلغًا كبيرًا فصنَع لنفسه تمثالًا ضخمًا من الذهب، وأَمَر بأنْ يَسجُدَ له الجميع وإلاّ يُلقَون في أتون النار. ولما لم يسجُد الفتية الثلاثة، اغتاظ نبوخذنصَّر منهم.

لأن لسان حالهم هو: إنَّ إلَهَنا قادرٌ على إنقاذِنا إذا شاء، وإذا أراد الله لنا أن نموت شهادةً على عبادتنا له وإيماننا به، فنحن قابلون للموت ولا نطلب النجاة من النار خوفًا على أرواحنا، لأنّنا نطلب الحياة الأبديّة مع الله ونبتغي رضاه. فالموت آتٍ على الجميع، لكنّ الفرق في مَن يَموتُ بعيدًا عن الله ومَن يكون في حِضْنِ الله! لقد عَمِلوا بحسب قول الربّ يسوع: «لا تخافوا مِن الذين يَقتلون الجسَد ولكنَّ النَّفْسَ لا يقدرون على أنْ يَقتلوها، بل خافوا بالحَرِيّ مِن الذي يقدر على أَنْ يُهلِكَ النَّفْسَ والجسَدَ كليهما في جَهَنَّمَ» (متّى ١٠: ٢٨).

رفضوا السقوط في حيلة الملك الزاعمة أنَّ على الإله الحقيقيّ أن ينجّي عبيده من الموت. قالوا: إنْ شاء ينجّينا، وإنْ لم يشأ يَضمّنا إليه، فنحن للربّ، إنْ عِشنا أو مُتنا (رومية ١٤: ٨). وضعوا أرواحهم بين يدَيه، فإمّا ينقلهم إليه أو يشهدون له. هكذا شهدوا لله منذ البدء وما كانوا يخشون الموت، بل خسارة الحياة مع الله. وما زادهم الصوم والصلاة إلّا صلابةً في الإيمان فاقتحموا النار التي أُعدَّت لهم غير هيّابين من الموت. حينئذ انحدَر ملاك الربّ إلى وسط الأتون وصارت النار كأنّها ندًى ولم تلسعهم ولا أحرقتهم.

هذا رأه نبوخَذنَصَّر (دانيال ٣: ٢٥)؛ لقد حضر ابنُ الله لمعونتهم وكان معهم وهم بعيدون عن الهيكل. آمَن نبوخذنَصَّر بإلههم وناداهم ليخرجوا، فخرجوا وشعرةٌ مِن رؤوسهم لم تحترق ولم تَكُن عليهم رائحة النار. لقد بيَّنَ الله عبرهم أنّه يطلب ذبيحة القلب الخاشع، كما قال داود النبيّ: «الذبيحة لله روحٌ منسحقٌ» (مزمور ٥٠: ١٧)، وأنَّه لا يمنع نعمته عن القلوب الخاشعة والمتواضعة (مزمور ٥٠: ١٧).

بعد حياة كلّها صوم وصلاة اختبروا أنّه ليس بالخبز وَحْدَه يحيا الإنسان بل بكلّ كلمة تخرج من فم الله (متّى ٤: ٤). لقد ترفّعوا عن الدنيويّات طالبين السماويّات لأنَّ كنزهم الحقيقيّ هو في السماء (متّى ٦: ٢١). لا يستطيع الشرّير إغواء مَن ترفَّعوا عن الدنيويّات ولا يُمكنه احتمال ما يرفعونه من تسبيح وشكر لله، فيهرب، وعندها يصبحون أنقياء ويخترق نورُ الله كيانهم. نتعلَّم منهم أنّنا وإنْ كنّا بعيدين عن هيكل الله حيث تُقدَّم الذبيحة، نستطيع أن نرفع قلوبنا المنسحقة أمام الربّ ذبيحةً فننال منه نعمةً تجعلنا في فرحٍ مع الربّ وتطرد كلّ خوفٍ فينا من الموت. دعونا نرفع في هذه الفترة قلوبنا إلى الله ونتضرَّع إليه لكي يرحمنا ويرأف بنا، ويعلّمنا التواضع، وربّما حينها نلمس حضوره فنحيا، آمين.

Last Updated on Wednesday, 08 April 2020 22:45
 
Banner