Article Listing

FacebookTwitterYoutube

Subscribe to RAIATI










Share

للمقبلين على سرّ الزواج المقدّس رجاءً مراجعة موقع:  wedding2

مركز القدّيس نيقولاوس للإعداد الزوجيّ

Home Raiati Bulletin Raiati Archives Raiati 2021 العدد ٤٣: رسول الغربة المزدوجة: غربة الإنسان وغربة يسوع
العدد ٤٣: رسول الغربة المزدوجة: غربة الإنسان وغربة يسوع Print Email
Written by Administrator   
Sunday, 24 October 2021 00:00
Share

raiati website copy
الأحد ٢٤ تشرين الأوّل ٢٠٢١ العدد ٤٣ 

الأحد الثامن عشر بعد العنصرة

الشهيد أريثا (الحارث) ورفقته

 

كلمة الراعي

رسول الغربة المزدوجة:
غربة الإنسان وغربة يسوع

رسول الغربة المزدوجة: غربة الإنسان وغربة يسوعفي شفاء الرجل من كورة الجرجسيّين، الذي سكنته شياطين كثيرة، تنكشف لنا الحال التي وصلت إليها خليقتا الله، الشيطان والإنسان على حدّ سواء، وتأثير الأوّل على الثاني، وحياة الثاني من دون تأثير الأوّل وتسلّطه عليه.

خرج الرجل الممسوس من الشركة الطبيعيّة مع أترابه، فبات غصبًا عنه معزولًا عنهم. اتّخذ مكان إقامة غريبًا عن مظاهر الحياة، حيث سكن القبور. حتّى شكله ما كان يدعو إلى الاطمئنان، إذ كان عريانًا. هذا كلّه أتى بداعي غربته عن الله، وليس من أجله. فالغربة التي أقام فيها، والفقر الذي كان يعيشه، ما كانا بدافع الاستعداد والتهيئة للقاء الله واحتضان للمخلوق على صورته، بل تأكيدًا على غياب الألفة مع الله والتآخي مع أترابه. نعم، كان مسلكه مصدر خطر على الآخرين فكان يُربط بسلاسل لدرء شرّه عنهم.

على مقلب آخر من الحادثة، نرى يسوع في تلك الكورة يُظهر لنا وجهَين مميِّزَين للإنسان الجديد، تواضعه ومحبّته، وما يعني ذلك من سلطة وقدرة وفعل وحياة جديدة. هذا برز في تعاطيه مع الإنسان الممسوس ومع الشياطين التي كانت تسكنه.

أذن يسوع للشياطين بأن تغادر الممسوس إلى قطيع الخنازير، فقد آثرت ألّا تذهب إلى الهاوية منذ تلك الساعة، بينما لمست في حضور يسوع مصدر عذاب لها. بالفعل، انفصل الشيطان عن الله، ففقد التواضع والمحبّة. ما عاد يلتمس الله، وما عادت حضرة الله مصدر فرح، ولا اللقاء به مصدر حياة. باتت محبّة الله له مصدر عذاب أليم. في سياق تدبيره الإلهيّ، هكذا تصرّف يسوع في هذه الحادثة مع خليقته، الشيطان.

من جهة أخرى، يرفع تواضع يسوع ومحبّته الإنسانَ الممسوس إلى مستوى الوجود الطبيعيّ لكلّ إنسان، حيث يوضح النصّ أنّه بات مرتديًا لباسًا، وصار صحيح العقل، وأصبح بإمكانه أن يجالس أترابه. هذا كان من وجهة نظر اجتماعيّة وإنسانيّة. وفي هذا دخولٌ في معركة التآخي الطويلة والمحيية مع الإنسان أخيه. ولكنّ النصّ يشي بأمر آخر، وهو أنّ ما جرى لهذا الإنسان كان له انعكاس على الكيان. والمقصود بالطبع خبرته الجديدة مع يسوع نفسه، وطبيعة الحياة الجديدة التي أخذها منه بعد أن تحرّر من فعل الشياطين وتسلّطها عليه.

ربّ قائلٍ إنّها أعجوبة باهرة، فنتوقّف عند هذه الصفة، أي صفة ما هو باهر، ولا ننفذ إلى ما تشير إليه وتكشفه بآن. من السهل أن نبقى على مستوى قدرة الله وما يمكن لهذه القدرة أن تفعله لصالحنا ومن أجلنا. هكذا نبقى أسرى أنفسنا في التعاطي مع ذواتنا. ولكنّ الرجل الصحيح العقل انطلق إلى مكان أبعد من ذاته عندما طلب إلى يسوع أن يصحبه معه وأن يكون معه. بالفعل، قادنا إلى ما هو أبعد من ذواتنا، إلى ما هو أبعد من الاحتفال بقدرة أو انتصار أو حرّيّة أو فرصة جديدة، إلى أبعد من نصيرٍ أو بطلٍ أو مقتدر. قادنا إلى حيث يسوع موجود، إلى حيث يرغب يسوع في أن يكون موجودًا، إلى حيث يسوع ما يزال غريبًا ومنسيًّا ومتروكًا. نعم، قادنا إلى تلك الغربة التي يقيم فيها يسوع طالما اخترنا سكنى القبور، والعريّ، والعنف، والعزلة، وأشكال الموت في الحياة، والانقياد إلى الشيطان وأعماله وغاياته.

هكذا سريعًا ما اختفت الأعجوبة من مجال انتباهنا لتتركّز على رسول يسوع الجديد وما لديه ليخبرنا به من عظائم الله التي صنعها به. فهذا أرسله يسوع إلى خاصّته وبيته ليكون رسوله إليهم، رسوله في بيئة حاضنة للخنازير والشياطين، أي لما يمثّل الوجهة المعاكسة لأمر الله والصلة به والتعاطي معه. إنّه إرسال إلى المكان، لا بل إلى الجماعة وإلى كلّ إنسان غريب عن الله، ليصيروا أقرباء وأحرارًا بفعل هذه القربى من الله. ما كان هذا ممكنًا لو أنّ هذا الإنسان لم يلمس في كيانه تواضع يسوع ومحبّته حتّى تكون لديه البوصلة الصحيحة والحقيقيّة في تعاطيه مع أترابه، الذين عادوه لـمّا كان ممسوسًا بالأمس وبات عليه أن يكون خادمهم اليوم وكلّ يوم.

أَوَليس في هذا الاستعداد تكمن الأعجوبة الحقيقيّة في هذه الحادثة: أن يعود الإنسان الجديد الذي يرسله المسيح إلى مَن جعلوا أنفسهم أعداء ليصيروا إخوة له وأصدقاء لله؟ هلّا رجعنا إذًا إلى بيوتنا على هذا الأساس، بحال كان هذا الاستعداد موجودًا فينا، وحدّثنا بما صنع الله بنا؟ هلّا طلبنا إلى الله أن يقودنا إلى أن يتكوّن فينا هذا الاستعداد بحال خلا منّا؟ في كلتا الحالتَين، فلنشكر الله الذي أعطانا هذه الفرصة، ولنشكر الذين قادونا من العداوة لله ولأخينا إلى الشركة الأخويّة بالمسيح.

+ سلوان
متروبوليت جبيل والبترون وما يليهما
(جبل لبنان)

 

الرسالة: عبرانيّين ١١: ٣٣-٤٠، ١٢: ١-٢

يا إخوة إنّ القدّيسين أجمعين بالإيمان قهروا الممالك وعملوا البرّ ونالوا المواعد وسدّوا أفواه الأسود، وأطفأوا حدّة النار ونجوا من حدّ السيف وتقوّوا من ضعف وصاروا أشدّاء في الحرب وكسروا معسكرات الأجانب، وأخذت نساء أمواتهنّ بالقيامة، وعُذّب آخرون بتوتير الأعضاء والضرب، ولم يقبلوا بالنجاة ليحصلوا على قيامة أفضل، وآخرون ذاقوا الهُزء والجَلْد والقيود أيضًا والسجن، ورُجموا ونُشروا وامتُحنوا وماتوا بحدّ السيف، وساحوا في جلودِ غَنمٍ ومَعزٍ وهم مُعوَزون مُضايَقون مَجهودون، ولم يكن العالم مستحقًّا لهم، فكانوا تائهين في البراري والجبال والمغاور وكهوف الأرض. فهؤلاء كلّهم، مشهودًا لهم بالإيمان، لم ينالوا الموعد لأنّ الله سبق فنظر لنا شيئًا أفضل أن لا يَكْمُلوا بدوننا. فنحن أيضًا إذ يُحدِقُ بنا مثلُ هذه السحابة من الشهود فلنُلقِ عنّا كلَّ ثِقَلٍ والخطيئةَ المحيطةَ بسهولة بنا، ولنُسابق بالصبر في الجهاد الذي أمامنا، ناظرين إلى رئيس الإيمان ومكمّله يسوع.

 

الانجيل: لوقا ٢٧:٨-٣٩

في ذلك الزمان أتى يسوع إلى كورة الجرجسيّين فاستقبله رجل من المدينة به شياطين منذ زمان طويل ولم يكن يلبس ثوبًا ولا يأوي إلى بيت بل إلى القبور. فلمّا رأى يسوعَ صاح وخرّ له بصوت عظيم: ما لي ولك يا يسوع ابن الله العلي، أطلب إليك ألّا تعذّبني. فإنّه أمرَ الروح النجس بأن يخرج من الإنسان لأنّه كان قد اختطفه منذ زمان طويل وكان يُربَط بسلاسل ويُحبَس بقيود فيقطع الربُط ويُساق من الشيطان إلى البراري فسأله يسوع قائلًا: ما اسمك؟ فقال: لجيون، لأنّ شياطين كثيرين كانوا قد دخلوا فيه. وطلبوا إليه ألّا يأمرهم بالذهاب إلى الهاوية. وكان هناك قطيع خنازير كثيرة ترعى في الجبل. فطلبوا إليه أن يأذن لهم بالدخول إليها فأذن لهم. فخرج الشياطين من الإنسان ودخلوا في الخنازير. فوثب القطيع عن الجرف إلى البحيرة فاختنق. فلمّا رأى الرعاة ما حدث هربوا فأخبروا في المدينة وفي الحقول، فخرجوا ليروا ما حدث وأتوا إلى يسوع، فوجدوا الإنسان الذي خرجت منه الشياطين عند قدمي يسوع لابسًا صحيح العقل فخافوا. وأخبرهم الناظرون أيضًا كيف أُبرئ المجنون. فسأله جميع جمهور كورة الجرجسيّين أن ينصرف عنهم لأنّه اعتراهم خوف عظيم. فدخل السفينة ورجع. فسأله الرجل الذي خرجت منه الشياطين أن يكون معه، فصرفه يسوع قائلًا: ارجع إلى بيتك وحدّثْ بما صنع الله إليك. فذهب وهو ينادي في المدينة كلّها بما صنع إليه يسوع.

 

خبرة لا بُدَّ منها

لي صديقٌ في لحظةٍ، في طرفةِ عين، كادَ أن يرتحلَ بنوبةٍ قلبيّةٍ فاجأته. قال لي إنّه يومًا لم يكن يتوقّع ما حصل، باعتقاده أنّه لا يُقهر ولا يُغلب وأنّ كأس الموت بعيدٌ عنه، فكان يؤجِّل توبته مُتناسيًا الموت، إلّا في الذاكرة الهشّة الساقطة، وضمن العبارات الصادرة عن اللسان: «إنّنا كلّنا سنموت» «وأنّ الموت لا يرحم أحد» و«أنَّ الإنسان سخيفٌ هو وضعيفٌ» «وليس لأحدٍ خيمةٌ فوق رأسه» وغيرها الكثير. فكان يرتدعُ إلى حين ثمّ يجترُّ حياته كالسابق ناسيًا أو مُتناسيًا.

لكنّ كَفَّ المرض والموت جعله يحسبُ غير حسابٍ، وجعله يَعي حقيقة نفسه، التي كان يرغب في أن تكون على غير حقيقتها. وجد أنّ الإنسان لن يجد الراحة إلّا عبر نُضج إيمانهِ وبلورة وَعْيهِ. فالعيونُ يجب أن تُفتحَ وتُجلى عنها غشاوة الوجود المُزيَّف المزعوم. عرفَ إلى حَدٍ أنّ الفرح لا يأتي من كينونةٍ قائمة على الكذب المتواصل على الذات، وأنّ الامتلاك بكلّ معانيه، ليس هو الحلّ للفراغ المتسلّط على الطبيعة. أيْقَنَ أنّ الطريق المَسلوكةَ منه قبلًا، هي طريق الهاوية، طريق الموت المُغلَّف بأحلام الوجود وعدم الاكتفاء.

صاحبُنا بات يرغب في أن يحتقرَ كلَّ الأمور البشريّة، وأن لا يُشغفَ بأيٍّ من الخيراتِ الحاضرة، لعلمه أنّها أوهى من الظلال والأحلام. عاود قراءة الآباء الذين أهملهم بحجَّة الازدياد من ثقافات الدنيا، والمجتمعات المعاصرة الليبراليّة، المرضيّة المَيِّتة. آمن بالذكاء وقوّة الخطاب المُقنِع. انغشّ بأنّ النجاح والتفوّق قد يزيدانه رصانةً وإشراقًا وسِعَةً، لا بل قوّةً وانتشارًا. وكلّ هذا طبعًا ضمن دائرة وَهْم الوجود المُزيّف الذي قد يَتَبَخَّر في أيّة لحظة. نسي بالعمق أن يكون مؤمنًا هادئًا أمام أفكاره المقلقة الهائجة، صابرًا، ضاحكًا عليها كالأمواج التي تتكسّر على الصخور قبل أن تتحوّل إلى زبد.

قال لي غير مرّة، إنّه يعمل على إنعاش حُبّه للهدوء من صخب التصفيق الجماهيريّ، والبيانات الرقميّة التي كان يتَتَبَّعها لتقويم حجمه وسعة انتشاره ووجوده. يفتكر اليوم أن تكون ردود فعله كالجثّة إزاء وقائع هذه الحياةِ الخدّاعةِ، وإزاء كلّ ما يُعيقُ تقدّمه في خلاص نفسه. كرّر أمامي قول القدّيس يوحنّا الذهبيّ الفمّ «أنّ شؤون هذه الحياة الحاضرة سريعة الزوال. وإنّه لو عرف الإنسان السرعة التي سينساه فيها الناس بعد موته لما عمل ما يُرضي الناس بل ما يُرضي الله».

اتّخذ المرض فرصةً للتعزية، فالكثير مِمَّن جُرحوا في الحرب ربطوا جراحاتهم وتابعوا القتال فنجوا، أمّا الذين لم يُتابعوا المعركة اعتُقلوا للموت. يحاول صديقنا بصبرٍ، أن يتعاونَ مع الجرحى الآخرين، ليتابعوا المعركة الروحيّة معًا ضدّ العدوّ غير المنظور، عاقدًا وإيّاهم الحُلفَ مع المسيح المجروح ليربحوا النجاة.

عَلَّمَ القديس بولس صديقَنا، أنّ الناس «يموتون خوفًا من الموتِ». يتكالبون لوجود أرضيّ، هَشٍّ، تعويضًا عن نقص في وجودهم السماويّ. الكلّ غير موجود في عينَيِ ذاته، لذا يحارب الوجود، مُصوّبًا خارج الدائرة. الناس بنظره، يُعانون من دون معنى، بينما المعاناة في الإبحار مع الربّ لها النَّفعُ المُطلق وكلّ المَعنى. فمن يهرب جاهدًا إلى الله يدخل إلى جوّ النعمة المجّانيّة، القهّارة للموت. «فمن المهمّ أن نَعرف لمن نموت ولمن نحيا، لأنّ ثَمّةَ موتًا يحيي وحياةً تُميت» (القدّيس لاون الكبير).

فكما التاجر يبيع ويشتري ليربح ويكسب، كذلك المؤمن الصبور. فاللبيب بعد خبرة المرض والموت، يجب أن يعمل ويتاجر نهارًا وليلًا، ليقتنيَ النعمة المُفرِّجة عن القلوب والمفرّحة في آنٍ. آمين.

 

من تعليمنا الأرثوذكسيّ: نِسطُر الشهيد

التلميذ: مَن هو نِسطُر الذي نسمع اسمه في طروباريّة القدّيس ديمتريوس؟

المرشد: هو شابٌّ مسيحيّ من مدينة تسالونيكي ونعيّد له في ٢٧ تشرين الأوّل. كان شابًّا غيورًا على الإيمان يتألّم من اضطهاد الولاة للمسيحيّين. استشهد في مواجهته مصارعًا ضخمًا قويًّا جدًّا اسمه لهاوش الذي كان يصرع المسيحيّين في ألعاب المصارعة التي نظّمها الأمبراطور احتفالًا بانتصاراته العسكريّة. 

التلميذ: كيف تجرّأ هذا الشابّ على مواجهة مصارع محترف وهو لم يكن عسكريًّا؟

المرشد: طلب إلى القدّيس ديمتريوس، المسجون من أجل إيمانه بالمسيح، أن يصلّي له. ولـمّا دخل نسطر الحلبة صرخ: «يا إله ديمتريوس أعنّي»! كانت ثقته بالله عظيمة ومحبّته للمسيحيّين المضطهدين كبيرة لدرجة أراد أن يسكب حياته فداء عنهم. اتّكل على شفاعة القدّيس أكثر من اتّكاله على قواه الخاصّة.

اندحر لهاوش بسبب كبريائه وغطرسته أمام تواضع نسطر وإيمانه، وقدرته على التضحية بنفسه من أجل سواه، وتجاوزه سخرية الحاضرين منه من كونه طريّ العود بالتصاقه ببركة القدّيس له في هذه المصارعة.

التلميذ: ماذا تعلّمنا هذه الحادثة؟

المرشد: أنّ محبّتنا لله ولبعضنا البعض تصنع المعجزات؛ وأنّ الجماعة، متى صلّت من أجل أعضائها، تبارك عطيّة حياتهم بحسب مشيئة الله وتحفظهم من الافتخار والتكبّر؛ وأنّنا، متى وضعنا أنفسنا وطاقاتنا في عهدة الكنيسة، فهذه تثمر بشكل صحيح بفعل صلواتها؛ وأنّ نعمة الله تُبرز في ميدان الجهاد أشخاصًا ما كنّا لننتظر منهم عظائم تفوق طاقاتهم الطبيعيّة.

 

محبّة النفس

للمطران جورج خضر

(...) أن أُحبّ نفسي هذا الحبّ الممدوح ليس أن أحبّ فرديّتي بأخطائها وغرورها، بل أن أحبّ هذا الكيان العميق في ذاتي كما خرج من يد الله وكما سيكون إذا افتداني الله برحمته. هذه الشخصيّة النورانيّة التي فيَّ، وقد غطّتها نواقصي وأسرتها أوهامي، بذور القداسة كامنة فيها. هذا الأبديّ فيَّ، اسمي الإلهيّ، كما يقول ابن عربي، هذا هو منطلقي. هذا التضارب بين الأنا المقيت، هذا الذي يسبيني إلى الغرور، ونفسي المطمئنّة إلى نورها وصفائها أقدِرَت على أن تعاين الله عبر نورها أم لم تقدر.

كلّ نفس، ما لم تمرض بتعذيب ذاتها، متحابّة. الإنسان يحنّ إلى الهناء والاستقرار والفرح، إلى وجود لا يشوبه الانحدار. فالمؤمن يعرف أنّه الآن يصلّي أو يتمتم كلمات. يعرف أنّ فعله صادر عن ذاته أو عن هذه القشرة التي تغلّفه. وكذلك الشاعر يحسّ أنّه كان نفسه أو لم يكنها.

هذه الشخصيّة التي ندركها فينا يقول المسيح إننّا محبّوها بالطبع. يطلب منّا أن نحبّ الغير كما نحبّها. أن نحبّ هذا الخير الذي هو في سوانا. ألمسْناه أم لم نلمسه. أن نؤمن بحقيقة الآخر وأن نجعله ساعيًا إليها لأنّها بالنهاية صورة الله. المهمّ ألّا يحول شرّ الغير دون رؤيتنا الزرع الذي حرثه الله فيه.

إذا أدركنا أنّ اللقاء بين البشر هو بين الألوهة التي فيّ والألوهة التي في غيري فلا يبقى من أثر للسؤال: كيف أحبّ قريبي كنفسي؟ أنا وقريبي كلانا مقرٌ للإله. وفي الرؤية الصافية أنا محبّ فقط لهذا الإله الموزَّع في النفوس بدون انقسام. كلّ نفس عرشه. أحبّها لكي تدرك ذلك، لكي ترفع عنها الغشاوة التي كانت تحول دون معرفتها هذا الأمر الذي يستحقّ كلّ اهتمامها.

Last Updated on Saturday, 23 October 2021 07:42
 
Banner