Article Listing

FacebookTwitterYoutube

Subscribe to RAIATI










Share

للمقبلين على سرّ الزواج المقدّس رجاءً مراجعة موقع:  wedding2

مركز القدّيس نيقولاوس للإعداد الزوجيّ

Home Raiati Bulletin Raiati Archives Raiati 2022 رعيتي العدد ٥٢: من رداء الخجل إلى رداء الحقّ
رعيتي العدد ٥٢: من رداء الخجل إلى رداء الحقّ Print Email
Written by Administrator   
Sunday, 25 December 2022 00:00
Share

رعيتي العدد ٥٢: من رداء الخجل إلى رداء الحقّ
الأحد ٢٥ كانون الأوّل ٢٠٢٢ العدد ٥٢  

ميلاد ربّنا ومخلّصنا يسوع المسيح بالجسد

 

كلمة الراعي

من رداء الخجل إلى رداء الحقّ

رعيتي العدد ٥٢: من رداء الخجل إلى رداء الحقّ في عيد ميلاد السيّد، لا يخجلك أحد من نفسك بقدر ما يخجلك هؤلاء الغرباء القادمون من الشرق، الذين سبقوا أهل البيت فسجدوا للملك المولود في بيت لحم. سطّر حقيقةَ غياب أهل البيت عن استقبال المسيح كاتبُ أيقونة الميلاد بأن وضع حمارًا وثورًا على خلفيّة مشهد الطفل المقمّط، استذكارًا لقول النبيّ: «الثور يعرف قانيه، والحمار معلف صاحبه. أمّا إسرائيل فلا يعرف. شعبي لا يفهم» (أشعياء ١: ٣). فالأمم، بشخص المجوس القادمين من الشرق قدّموا السجود اللائق للمولود، وعبّروا بواسطة الهدايا عن إدراكهم سرّه وهويّته وتدبيره، أمّا شعبُ الله فقد أعرض كلّيًّا عن معرفة مخلِّصه. إنّه من المخجل حقًّا:

أوّلًا، أن يعرّفك هؤلاء إلى خبر المولود الجديد، ولا تحرّك ساكنًا. انظرْ كيف اضطرب سكّان أورشليم وقادتها الدينيّون والسياسيّون لدى سماعهم ما أتى على لسان المجوس حول مولد ملك اليهود (متّى ٢: ٢-٣). لم يهتزّ أحد فرحًا، ولا استحثّه الخبر على البحث عن المولود أو على الأقل مرافقة أصحابَ البشرى، بل سرعان ما استكانوا وعادوا إلى مشاغلهم ويوميّاتهم وتفاهتهم.

ثانيًا، أن تُسمّى شعب الله وأن تكون لديك معه خبرات تاريخيّة محوريّة فريدة، ولكنّك وضعتها في حافظة التاريخ وما عادت تحرّك لا وجدان الجماعة ولا العبادة والحياة الروحيّة. هل نسيتَ كيف أخرجك ربّك من عبوديّة مصر، ورعاك في برّيّة سيناء، وأعطاك أن تدخل بلاد كنعان، وأقام لك قضاة فملوكًا وأخيرًا أنبياء يرشدونك ويصلحون سيرتك ويقودونك إلى لحظة اكتمال النبوءات؟

ثالثًا، أن تأتي لحظة قدوم المخلّص فتغيب عن استقباله والسجود له، لا بل تزدري الحدث برمّته، وتكلّف آخرين، غرباء عن إيمانك وعن شعبك، بأن يقوموا بالتحقّق من الأمر نيابة عنك من دون أن تكلّف نفسك أيّ عناء، سيّما وأنّك من الذين يعرفون الكتاب، أو يرتادون الهيكل ويقدّمون الأضاحي، أو يخدمون شعبه ويتبوّؤون مسؤوليّة وسط الجماعة، ولم يهزّك إعلان البشرى الجديدة.

رابعًا، أن يقيم في غربة عن الناس ذاك الذي تغرّب الناس عنه في البدء، وأراد أن يستدعيهم من غربتهم عن البيت الأبويّ؛ أو أن يؤثر شعبه البقاء في الظلمة بينما أشرق عليهم النور؛ أو أن يضمر بعضهم السوء لـمَن أتى ليخلّصهم من كلّ سوء، وهو الطفل الأضعف من أن يدافع عن نفسه.

مهما يكن من أمر، فاق المجوسُ شعبَ الله بالرغبة الصادقة في أن يطلبوا الملك المولود، وبالحميّة في البحث عـمّن تناولته النبوءات، وبالمثابرة في وجه الصعاب كافّة، وبالشجاعة أمام الحكّام، وبالتواضع في السجود له، وبالفرح في تقديمهم الهدايا له، وأخيرًا في وضع أنفسهم بتصرّفه. هذا كلّه كان بفضل استلامهم الوديع لله قبل أن يعرفوه، منذ عزموا على التحقّق من سرّ هذا المخلّص، فأتى سجودهم له خبرة حملوا فيها حامل الكلّ إلى أترابهم.

حفظ التقليد الكنسيّ، لا سيّما في خدمة المديح لوالدة الإله، أنّ هؤلاء المجوس إذ عادوا إلى بلادهم، كرزوا للكلّ بأنّ المولود هو المسيح، وبأنّهم صاروا متوشّحين بالله من بعد أن عاينوا الله كطفل. تقدّم هؤلاء على العارفين بالكتاب وعلى الساجدين للكواكب، وأبرزوا لنا جميعًا المسيح شمس العدل. وتقدّموا أيضًا على أصحاب المعرفة والعلم في زمانهم، فلم يدعوا ظاهرة النجم تمرّ مرور الكرام، بل تفحّصوا شأنها بتدقيق فقادتهم إلى خالق الكلّ. وتقدّموا على أصحاب الجاه والسلطة بأن تركوا كلّ شيء من أجل التماس الحقّ والوصول إلى منابعه فصاروا خادمين له متطوّعين طائعين. 

لم يطمس الدهر، بكلّ أشكاله، الشعلة في نفوسهم، ولا طغت عليهم أهواءه وشهواته، ولا أسرتهم ذهنيّة وثنيّة أو عالميّة، ولا استعبدتهم طريقة حياة، بل كانوا كالطّين في يد الفخّاريّ يصنع منه إناء مقدّسًا لتسبيحه وتمجيده وخدمة تدبيره. ولم يطمس فيهم العالم الحسّ بالله، ولا الوجدان في تلمّسه، ولا القلب في السجود له، ولا الذهن في معرفته، ولا العزم في طاعته. لم يحتموا بشيء، لا بعبادة فارغة ولا بعلم عظيم ولا بمسافة جغرافيّة بعيدة ولا باستحقاق أو عدم استحقاق، بل انطلقوا برجاء ضدّ كلّ رجاء حتّى باتوا حاملين لهذا الرجاء الحيّ لسواهم.

هلمَّ ننحني لهؤلاء، ولـمَن يمثّلهم عبر العصور، لكونهم أبلوا حسنًا بالروح القدس، ولنشكرْهم لما يقدّمون لنا بمثالهم وشهادتهم من حافز وتشجيع ومنارة كيما نتجاوز كلّ ما من شأنه أن يضعف إيماننا ويطمسه، فلا ننكسر لكسل أو تبرير، لرياء أو زيف، لخطيئة أو تهوّر، لسطحيّة أو إحباط، لأيّ شيء على الإطلاق. هلّا انطلقنا إلى المولود الجديد تاركين وراءنا العارّ، أيًّا كان اسمه وعلاماته فينا، الذي لبسناه طويلًا، وطلبنا مَن بإمكانه أن يلبسنا رداءه، رداء النور والمجد والحقّ الذي بالروح الإلهيّ؟

+ سلوان
متروبوليت جبيل والبترون وما يليهما
(جبل لبنان)

 

الرسالة: غلاطية ٤: ٤-٨

يا إخوة، لـمّا حان ملءُ الزمان أَرسلَ اللهُ ابنَه مولودًا من امرأة، مولودًا تحت الناموس ليفتديَ الذين تحت الناموس لننال التبنّي. وبما أنّكم أبناء أرسلَ اللهُ روحَ ابنه الى قلوبكم صارخًا: يا أبّا، الآب. فلستَ بعدُ عبدًا بل أنتَ ابنٌ، وإذا كنتَ ابنًا فأنت وارثٌ لله بيسوع المسيح.

 

الإنجيل: متّى ٢: ١-١٢

لـمّا وُلدَ يسوع في بيتَ لحمَ اليهوديّة في أيام هيرودسَ الملك إذا مجوسٌ قد أقبلوا من المشرق الى أورشليم قائلين: أين المولود ملك اليهود؟ فإنّا رأينا نجمَه في المشرق فوافَينا لنسجد له. فلمّا سمعَ هيرودسُ الملك اضطرب هو وكلّ أُورشليم معه، وجمع كلّ رؤساء الكهنة وكَتَبة الشعب واستخبرهم أين يولد المسيح. فقالوا له: في بيتَ لحمَ اليهوديّة، لأنّه هكذا قد كُتبَ بالنبيّ: وأنتِ يا بيتَ لحمَ أرضُ يهوذا لستِ بصُغرى في رؤساء يهوذا لأنّه منكِ يخرج الـمُدَبّر الذي يرعى شعبي إسرائيل. حينئذ دعا هيرودسُ المجوسَ سرًّا وتَحقّق منهم زمنَ النجم الذي ظهر. ثمّ أَرسلهم إلى بيت لحم قائلًا: انطلقوا وابحثوا عن الصبيّ بتدقيق، ومتى وجدتموه فأَخبروني لكي آتي أنا أيضًا وأَسجدَ له. فلمّا سمعوا من الملك ذهبوا. فإذا النجم الذي كانوا رأوه في المشرق يتقدّمهم حتّى جاء ووقفَ فوق الموضع الذي كان فيه الصبيّ. فلمّا رأوا النجم فرحوا فرحًا عظيمًا جدًّا، وأتوا الى البيت فوجدوا الصبيّ مع مريم أمّه، فخرّوا ساجدين له وفتحوا كنوزهم وقدّموا له هدايا من ذهبٍ ولُبانٍ ومُرٍّ. ثمّ أُوحي إليهم في الحُلم ألّا يرجعوا إلى هيرودسَ، فانصرفوا في طريق أُخرى إلى بلادهم.

 

الله تحت

عبر إطلالة المطران جورج (خضر) الأسبوعيّة» كلمة الراعي» على أبناء رعيّته عبر نشرة «رعيّتي»، وعلى المجتمع اللبنانيّ والعالميّ العريض في «مقالة السبت» عبر جريدة «النهار»، وزّع سيادته على القريب والبعيد كلمة الربّ بعنف الإنجيل ولطفه. شكّلت الأعياد والمناسبات العامّة منطلقات لبثّ الكلمة الـمُنجّية التي تجيء من الحقيقة الأبديّة، وتفضح الأصنام وتسمّي ما يجب تركه وتحدّد مَن ينبغي الالتصاق به، وتقول الموقف الذي على الإنسان أن يقفه إن هو أراد أن يكون مع الله.

هو يرى أنّ عيد الميلاد تعبّر عن روحيّته رسالةُ العيد التي تقول: «لـمّا حان ملء الزمان…». يؤكّد أنّ عبارة «ملء الزمان»، «تعني أن ليس علينا أن ننتظر أزمنة تعطينا معرفة جديدة بالله لأنّنا نلنا كلّ معرفة بالمسيح». يكرز سيّدنا جورج بمسيحه الموجود «في العالم مُنذ نشأة العالم باعتباره فكر الله». لذلك، في عيد الميلاد، «نحن لا نُعيِّد لحدث ظهوره من مريم إلَّا لنذكُر أنّه ظهور الله». الميلاد ظهور إلهيّ، «انكشاف ابن الله في تواضعه، والتواضع الأعظم هو الذي عاشه ابن الله معلّقًا على الخشبة».

نحن لا نعرف في أيّة سنة أو أيّ شهر أو أيّ يوم وُلد المسيح. «الخامس والعشرون من كانون الأوّل اصطلحنا عليه طقسيًّا… لم يهمّنا يوم العيد لأنّ المسيح هو العيد». لذلك، هو يذكّر بأنّ «اسم العيد الحقيقيّ في التقويم عندنا هو الظهور الإلهيّ»، لكنّه يدأب دومًا على التشديد على مركزيّة قيامة الربّ لأنّ «عيدنا الوحيد هو الفصح لأنّ البدء ليس ظهور يسوع في الجسد ولكنّه الفصح الذي هو ظهوره في ضمير البشر». لأنّنا «في حقيقتنا الروحيّة نولد في الفصح. المسيح في كلّ أبعاده مولود على الصليب».

من هنا، يرى جورج خضر أنّ «الميلاد توطئة للفصح أي لموت المعلّم الذي هو في معنى جوهره القيامة». ولأنّ لا شيء يُفهم في المسيحيّة إلّا انطلاقًا من الفصح. لذا، «في هذا العيد نولد من الله في حبّ المسيح إيّانا وبه وحده نستطيع أن نحبّ الناس… الميلاد يصير لنا عيدًا فقط إن رأينا المسيح ومنه وبه نلتقي الناس». والمسيحيّة كلّها في هذا تقول إنّ الله بمسيحه سكن في العالم جسديًّا، «كناّ نعرف قبل مجيء المخلّص أنّ الله معنا، لكن مع المسيح رأيناه معنا وساكنًا فينا».

قبل يسوع كنّا ندرك أنّ الله فوق، «ومع يسوع فهمنا أنّه معنا وفينا، أي بالمسيح أُلغيت المسافة بين السماء والأرض». في الميلاد نحن لا نُعيّد لحدث مضى ولكن لاستمرار هذا الحدث، «المسيحيّة كشفت أنّ السماء ليست فوق بل إنّها فيك. إنّها أنزلت الله على الأرض، بعد ذلك صرنا نصعد إلى السماء». لكن، لكي يصير الميلاد حدثًا دائمًا يجب أن نعي أنّ يسوع يولد فينا ونفهم أنّه «أبطل المسافة بين الأرض والسماء أي كلّ بعد عن الله». أي أنّ المسيحيّة في فكر المطران جورج، «ما ألِفَت أنّ ثمّة هوّة» بين الإنسان والله في الطبيعة، بين المخلوق والخالق، لذلك هي «ردمت هذه الهوّة بالحبّ لأنّها جعلت الخالق ساكنًا في أحشاء امرأة… الله فينا هذه هي المسيحيّة وهذا هو معنى التجسّد».

لا يعني التجسّد «تحوّل ابن الله إلى كيان جسديّ، ولكنّه يعني ضمّ بشريّة الإنسان، كلّ إنسان إليه بالتجسّد والحبّ الهادي بالتجسّد». لكنّه ينبّه إلى أنّ علينا دائمًا ألّا ننسى أنّ المسيح فوق كي نعرفه إلهًا، على إدراكنا أنّه معنا أيضًا لعلمنا أنّه يُحبّنا. هو ما صار إنسانًا إلاَّ ليقول لنا ذلك، «طبعًا قال هذا بموته وقيامته الفصحيّة والأخيرة وكفتنا».

ويخلص سيّدنا جورج إلى التذكير دومًا بأنّ الميلاد جاء لنطلب الميلاد الثاني لنا، هذا الذي وعدنا الربّ به. «الإنسان يولد من السماء قبل أن يبلغ السماء العلويّة. هو أزال الهوّة التي كنّا نتصوّر بين ما هو فوق وما هو تحت. لأنّه هو الذي أصعدنا منذ الآن إلى فوق». ويعايدنا قائلًا «هذا هو ميلاد الربّ وميلادكم. إنّهما واحد حتّى تخرج من أفواهكم وقلوبكم ترنيمة أبديّة».

 

من تعليمنا الأرثوذكسيّ: أيقونة الميلاد (٢)

التلميذ: أخبرني عن يوسف خطيب مريم؟

المرشد: وجود يوسف خارج المغارة له دلالته، فهو بقي غريبًا عن الولادة. يظهر متأمّلًا في الحدث، وهو يفكّر في كيفيّة الولادة. وهذا ما عبّرت عنه الليتورجيا الأرثوذكسيّة في خدمة الساعة الأولى من برامون عيد الميلاد: «هكذا يقول يوسف للبتول: يا مريم ما هذا الأمر الذي أشاهده فيك، إنّني أنذهل وأتحيّر وعقلي يندهش...». لكنّ النصوص الليتورجيّة تورد أنّ شكوكه انتهت بالإيمان. تقيم الكنيسة في الأحد الواقع بعد الميلاد تذكار يوسف الخطيب (هذه السنة نعيد له يوم الاثنين ٢٦ كانون الأوّل)، نستطيع أن نكوّن عنه صورة واضحة عبر ترنيم قانون يوسف الخطيب في صلاة السحر: بارٌ منذ الطفوليّة، مزيّن بسيرة لا عيب فيها، حافظ للبتوليّة الحقيقيّة البريئة من العيب، متأيّد بقوّة الروح، مزيّن بالفضائل، متلألئ بالوداعة، سالك المناهج العادلة، دُعيَ له أبًا، خاضع للأوامر الإلهيّة، خادم للمسيح وللأمور المستغرَبة، صدّيق وصادق.

التلميذ: وماذا عن الرعاة؟

المرشد: أظهر تصوير الرعاة أنّهم أشخاص بسطاء، عندهم إمكانيّة الاتّصال المباشر بالعالم العلويّ. يظهرون في الأيقونة منصِتين إلى بشارة الملائكة، كما يبدو أنّ بعضهم يعزف على الناي، وكأنّهم يخلطون ترانيم السماء بأنغام الأرض. تبدّل في الأيقونة عدد الرعاة ومظهرهم الخارجيّ عبر العصور. غالبًا ما يصوَّرون من دون لحية، يرتدون حلّة قصيرة. يظهرون كمجموعات، أغلب الأحيان ثلاث: الأولى تسمع بشارة الملاك، الثانية تهتمّ بالماشية، والثالثة عند يوسف تتحدّث إليه قبل بلوغها المغارة.

التلميذ: وكيف تبدو عناصر الأيقونة الأخرى؟

المرشد: تزيّنت الأيقونة منذ القرن العاشر بتفاصيل طبيعية عدّة: شجرة، عشب، معز بلون أسود وأبيض. يُلاحظ أيضًا وجود شجرة أمام يوسف وهي ترمز إلى شجرة يسّى. لا وجود للسماء بحدّ ذاتها في الأيقونة، إنما يُستعاض عنها بتلك المساحة المذهّبة والتي يسمّيها الرسّامون «نورًا». أمّا تصوير السماوات، وهي عرش الله والمكان الذي منه يأتي نجم الميلاد، فيأخذ شكل نصف دائرة في أعلى الأيقونة. وتعكس الألوان المستعملة ألوان التجلّي على ثابور. في ترانيم الميلاد، الكلّ مدعوّ إلى المشاركة في فرح تجسّد المسيح، «الجبال القمم وكورة اليهوديّة». بيت لحم تستعدّ، إفراثا تتهيّأ. الأرض ترقص إذ تشعر بقدوم المسيح؛ الملائكة يسبّحون. نفوس الصدّيقين في أسافل الأرض تتهلّل بالمولود في بيت لحم.

 

التجسّد

من أقوال مجدلوس مطران ديار بكر الأرثوذكسيّ

قال الآباء إنّ ذات الكلمة التي لا تُدرَك أخذت من مريم العذراء جسدًا محسوسًا، وإنّ العقول البشريّة لا تدرك كيفيّة ذلك، كما قال صموئيل عندما سألوه بأيّ صورة يظهر الله له، قال: «إنّ الله يظهر لي بصورة إنسان مثلي» (١ملوك ٣). وهكذا ظهر في صهيون في آخر الأيّام. والصورة التي ظهر بها من العذراء لم تكن هيكلًا ولا حجابًا ولا محلًّا موجودًا قبل وجود الاتّحاد، إذ لم يظهر إلّا ربًّا ومسيحًا ومخلّصًا وفاعل الآيات الإلهيّة وقابل الأفعال الجسمانيّة. إلاّ أنّ اتّحادها يتعالى عن الأفهام البشريّة والخواطر النفسانيّة. تجسّدت الكلمة وظهرت بالصورة البشريّة من حيث لم تهبط من كرسيّ عظمتها ولا تسافلت من عرشها المرهوب ولا من مجدها السماويّ.

تكلّم بالتجسّد الحكماء والفلاسفة المتقدّمون، ونقلوا نبوءات الأنبياء. ووُجد في كتاب هرمِس الحكيم في علم التنجيم المعروف بكتاب التسعة الأحجار يخاطب ولده قائلًا: يا بنيّ، لا بدّ من نزول العلّة التامّة القائمة بذاتها وغير المحتاجة إلى غيرها. تمشي في الأرض بحجاب تصنعه لها، وترجع إلى علوّها وكرسيّ عرشها، وليس ذلك بانتقال وحركة. وقال أفلاطون في كتاب الأسرار: «إنّ العليّ يظهر في الأرض ويقيم الموتى ويُظهر آياته ويُرفَع إلى عرشه. ولا يعود أحد يراه إلى يوم يدين العالم». وقال بواتيون الحكيم: «هو القديم العظيم الجالس فوق السموات العليا، المتردّي بلهيب النار، الذي لا يفنى ملكه. يظهر على الأرض ويقيم الموتى ويشفي المرضى ويظهر الآيات الربّانيّة. ويرجع إلى عرشه العلويّ. ومنذ ظهوره على الأرض يأتي إليه حكماء من أرض فارس، ويقدّمون قرابينهم إليه. فإنّه ملك الملوك، وملكه لا يفنى»... وقال أرسطوطاليس الحكيم في رسالته للإسكندر: «إنّك لست تجد ماء الحياة إلّا في واحدٍ يظهر في العالم لابسًا لباس العالم. فإذا وجدته ظفرت منه بماء الحياة، ويغذّيك من شجرة الحياة الأبديّة بطعامه، ومن يده تجري ماء الحياة».

Last Updated on Wednesday, 21 December 2022 22:40
 
Banner