Article Listing

FacebookTwitterYoutube

Subscribe to RAIATI










Share

للمقبلين على سرّ الزواج المقدّس رجاءً مراجعة موقع:  wedding2

مركز القدّيس نيقولاوس للإعداد الزوجيّ

Home Raiati Bulletin Raiati Archives Raiati 2023 رعيتي العدد ٣٠: مسيرة نضج وكرازة وشهادة
رعيتي العدد ٣٠: مسيرة نضج وكرازة وشهادة Print Email
Written by Administrator   
Sunday, 23 July 2023 00:00
Share

رعيتي العدد ٣٠: مسيرة نضج وكرازة وشهادة
الأحد ٢٣ تمّوز ٢٠٢٣ العدد ٣٠  

الأحد السابع بعد العنصرة

اللحن ٦ - الإيوثينا ٧

تذكار نقل عظام الشهيد في الكهنة فوقا

النبيّ حزقيال

 

كلمة الراعي

مسيرة نضج وكرازة وشهادة

رعيتي العدد ٣٠: مسيرة نضج وكرازة وشهادةحادثة شفاء الأعميَين طالت منذ لحظة صراخهما إلى حين لبّى يسوعُ طلبهما. هذا لم يمنعهما من أن يبقيا ثابتَين على اليقين الذي يحملانه من ناحية يسوع. نعم، يسوع قادر على شفائهما. أعلنا إيمانهما به عندما تفحّصهما يسوع، فسمعا منه: «بحسب إيمانكما ليكنْ لكما» (متّى ٩: ٢٩). إلّا أنّ يسوع، لسبب يدركه هو، «انتهرهما» وطلب منهما ألّا يُعلما أحدًا. يبدو أنّهما استعجلا الاحتفال بطريقة عالميّة، عبر ثرثرة لا تجدي نفعًا تبقي صاحبها مع سامعيه على مستوى دنيويّ لا يناسب حقيقة الكرازة الإنجيليّة والحكمة الكامنة فيها. يبدو أنّهما كانا غير ناضجَين روحيًّا حتّى يحملا مسؤوليّة البشارة وأتعابها وما تقتضيه من نكران للذات وطاعة لله. فإنّه من السهل أن نذيع أعمال الله العظيمة في حياتنا، ولكن تبقى العبرة بما نكنزه لأنفسنا من تقدّم روحيّ، وما نزرعه في نفوس أترابنا من بذور الإيمان المستقيم الرأي.

أمّا حادثة شفاء الأبكم المجنون فأتت في سياق تعذّر عليه صاحبه أن يطلب إلى يسوع أن يشفيه، فأتى الطلب على يد مَن قدّموه إلى يسوع. بالنتيجة، أخرج يسوعُ الشيطانَ منه، فشُفي. لكنّ الفرّيسيّين استعجلوا في عمليّة نسب علّة الشفاء بقولهم: «برئيس الشياطين يخرج الشياطين» (متّى ٩: ٣٤). أرادوا بذلك، عن قصد وسابق إصرار وتصميم، أن يزرعوا بذار الشكّ في نفوس الناس، عبر تشويه شخص يسوع نفسه وإلحاق الضرر الدائم بقصده وكرازته وتعليمه، وإقصاء الناس عن الاقتراب منه والإيمان به واتّباعه والتلمذة له.

أمّا ما عبّرت عنه الجموع بقولها: «لم يظهرْ قطّ مثل هذا في إسرائيل» (متّى ٩: ٣٣)، فهو جزء من الحقيقة. العبرة في هذا الإقرار ليست في أن يبقى على مستوى التعجّب مـمّا حصل، بل أن يستتبعه تفاعل شخصيّ وانفتاح قلبيّ على عمل الله، يقود إلى إيمان شخصيّ بيسوع.

من هنا، يتبادر إلى ذهننا كيفيّة تعاملنا مع البشارة الإنجيليّة بخلاف القصد منها وبدون طلب الحكمة التي تحملها. أن تنفتح عيناك ليس بشيء بحدّ ذاته، فالأهمّ أن تنفتح بصيرتك على الإيمان بيسوع. وأن تتكلّم ليس بشيء بحدّ ذاته، الأهمّ هو أن تجعل على فمك كلام الله. بهذا تصير حواسّك كلّها خادمة للبشرى الإنجيليّة، وهذا دونه ترويض وتدريب وتشذيب، على غرار ما سطّر يسوع في مثل الكرمة والكرّام (يوحنّا ١٥: ١-١١). فالغاية، كلّ الغاية، أن نصير أنقياء بسبب الكلام الذي قاله لنا يسوع، فنصير أنقياء القلوب وطاهري الأذهان وصانعي مشيئة الله في حياتنا.

مهما يكن من أمر، فإنّ الزارع الذي خرج ليزرع تابع مهمّته بعد حادثة شفاء الأعميَين والأبكم المجنون: «وكان يسوع يطوف المدن كلّها والقرى يعلّم في مجامعها ويكرز ببشارة الملكوت ويشفي كلّ مرض وكلّ ضعف في الشعب» (متّى ٩: ٣٥). هذا استحقاق يطالنا إن بقينا في منأى عن كلمة الله والتفاعل معها وقبولها وتبنّيها. فيسوع أتى ليزيل كلّ مرض وضعف، ولينير الذهن والقلب بمعرفة الله. فإن أنكرنا على أنفسنا واقعنا المريض وحاجتنا إلى طبيب، بقينا في علّتنا من دون شفاء أو خلاص. وإن أعرضنا عن حقيقة قصد الله بأن يكون هو إلهنا ونحن شعبه، مشتركين في ملكوته، فإنّنا نكون قد حكمنا على أنفسنا بالإقصاء عنه إلى الأبد. وإن عارضنا سبيل الخلاص وشوّهنا حقيقته في أعين أترابنا وضميرهم، نكون مجرمين بحقّهم، فتكون عاقبتنا هلاكًا عظيمًا.

ألا أعطِنا يا ربّ نعمة الإيمان بك، فلا نكون مبصرين ولا نبصر، أو سامعين ولا نسمع، بلا فهم أو إدراك سرّ تدبيرك من أجلنا. ألا أعطِنا أن نرى عظائمك، ولكن أن نرى أنفسنا على ضوئها، فنأتي إليك ليس كمجترح عجائب، بل كإله مخلِّص وطبيب شافٍ ومعلّم لمشيئة الله. ألا أعطِنا أن نشهد لك بتوبتنا الصادقة إليك وخدمتنا المتفانية لبشراك وعبادتنا المنسحقة والشاكرة المقدَّمة إليك. ألا أعطِنا أن نعمل عمل الزارع رغم ما يعترضنا من صعاب واعتراض ورفض واضطهاد، حاملين نيرك الهيّن وحملك الخفيف، أي صليب محبّة القريب كأنفسنا. ألا أعطِنا أن نمجّدك من دون أن نطلب مجدًا لأنفسنا. ألا باركْ يا ربّ مَن فتح أعيننا لنراك وفمنا لننطق بكلمتك، وعلَّمنا أن نكتسب الحكمة والمحبّة الكامنة في الإيمان بك، وشدَّدنا في شهادتنا لاسمك. 

+ سلوان
متروبوليت جبيل والبترون وما يليهما
(جبل لبنان)

 

الرسالة: رومية ١٥: ١-٧

يا إخوة، يجب علينا نحن الأقوياء أن نحتمل وهن الضعفاء ولا نرضي أنفسنا. فليُرضِ كلّ واحد منّا قريبه للخير لأجل البنيان، فإنّ المسيح لم يرضِ نفسه، ولكن كما كُتِب: تعييرات معيّريك وقعَت عليَّ، لأنّ كلّ ما كُتب من قبل إنّما كُتب لتعليمنا ليكون لنا الرجاء بالصبر وبتعزية الكتب. وليُعطكم إله الصبر والتعزية أن تكونوا متّفقي الآراء في ما بينكم بحسب المسيح يسوع، حتّى إنّكم بنفس واحدة وفم واحد تمجّدون الله أبا ربّنا يسوع المسيح. من أجل هذا فليتّخذ بعضكم بعضًا كما اتّخذكم المسيح لمجد الله.

 

الإنجيل: متّى ٩: ٢٧-٣٥

في ذلك الزمان، فيما يسوع مجتاز، تبعه أعميان يصيحان ويقولان: ارحمنا يا ابن داود. فلمّا دخل البيت دنا إليه الأعميان، فقال لهما يسوع: هل تؤمنان بأنّي أقدر على أن أفعل ذلك؟ فقالا له: نعم يا ربّ. حينئذ لمس أعينهما. فانتهرهما يسوع قائلًا: أنظرا، لا يعلم أحد. فلمّا خرجا شهراه في تلك الأرض كلّها. وبعد خروجهما قدّموا إليه أخرس به شيطان. فلمّا أُخرج الشيطان تكلّم الأخرس. فتعجّب الجموع قائلين: لم يظهر قطّ مثل هذا في إسرائيل. أمّا الفرّيسيّون فقالوا: إنّه برئيس الشياطين يُخرج الشياطين. وكان يسوع يطوف المدن كلّها والقرى، يعلّم في مجامعهم ويكرز ببشارة الملكوت ويشفي كلّ مرض وكلّ ضعف في الشعب.

 

«هلمّ أيّها الروح من الرياح الأربع»

(حزقيال ٣٧: ٩)

نبيّ الروح هو حزقيال. يبدأ كتابَه بـ «عنصرة» غريبةٍ، في أرض غريبةٍ، وفي توقيتٍ غريبٍ. لا نعرف، ولن نعرف إلى أيّ حدثٍ يشير عندما يقول، «في السنة الثلاثين، في الشهر الرابع، في الخامس من الشهر» (حزقيال ١: ١). نعرف فقط أنّه لم يكن هناك أيّ قوام سياسيّ ودينيّ لليهود، «في الخامس من الشهر، وهي السنة الخامسة من سبي يهوياكين الملك» (حزقيال ١: ٢). ولكنْ، رغم السبي، أو مع السبي، وخارج الأطر الدينيّة التي جُعِل فيها الله في مملكة يهوذا الساقطة، خارج الهيكل الذي بُنيَ له، والكهنوت الفاسد الذي فُرِضَ عليه، وبعيدًا عن إثم المدينة، التي ادّعت اتّباعه، التي «خالفت أحكامي بأشرّ من الأمم، وفرائضي بأشرّ من الأراضي» (حزقيال ٥: ٦)، ظهر الربّ لحزقيال في «ريح عاصفة... سحابة عظيمة ونار متواصلة، وحولها لمعان ومن وسطها كمنظر النحاس اللامع من وسط النار» (حزقيال ١: ٤). في العبريّة، كما في العربيّة، لا فرق بين الريح والروح. عبارة واحدة، تشير إلى ما لا قدرة لك على السيطرة عليه، أو القبض عليه، أو التحكّم بهبوبه ومسيره وشدّته. «إلى حيث يكون الروح ليسير»، تسير المركبة ذات الوجوه الأربعة التي رآها حزقيال. لا يعرف متى يسير وكيف وإلى أين، بل «إلى حيث يسير الروح كانت تسير إلى حيث الروح ليسير» (حزقيال ١: ٢٠).

في حركيّة الروح هذه، التي باتت، بعد غياب كلّ قطب، قطب كلّ شيء، كان مجد الربّ، وكان الربّ يتكلّم. في هذا كسرٌ للنظم الإنسانيّة التي حدّدت الله في أطرـ إذ أسهل على الناس أن يكون الله في إطارٍ، كلاميًّا كان، أو جغرافيًّا، أو تاريخيًّا، أو سلوكيًّا، لعلّهم يبرّرون ذواتهم. غير أنّ الله في حزقيال، في روحه العاصف وحدّة النار، يستعيد حرّية مطلقة، ليختارَ هو، لا عابدوه، زمنَ ظهوره، ومكان ظهوره، ومتكلّميه، ونوعيّة كلامَه.

في هذا اليوم، يتكلّم الله مع حزقيال «بالروح»، ولن يفهم حزقيال الكلام إلّا «بالروح»، «فقال لي يا ابنَ آدمَ قم على قدميك فأتكلّم معك، فدخل فيّ روح لـمّا تكلّم معي، فسمعت صوتَ المتكلّم معي» (حزقيال ٢: ١). في حرّيّة الكلام سيكون الله من اليوم فصاعدًا، حرًّا من أطر الإنسان. لن يُسمَع إلّا بالروحِ، أي بلا توقّع لما سيقول. أمّا نحن، بني الانسان، فينبغي أن نكون على استعداد كامل، مطلق، لأن نسمعه ونصغي إليه ونطيعه، حين يقول ما يقول. هنا «ينزّل» الله على حزقيال كتابًا، دُرجًا، سفرًا، أي «كتابًا مقدَّسًا»، يطعمه إيّاه، يأمره بألّا يتكلّم إلّا بما فيه، غير أنّ ما فيه إنّما هو «مراثٍ ونحيب وويل» (حزقيال ٢: ١٠) على أمّة متمرّدة، لا تشاء أن تسمع له، بل لا تسمع إلى ما سوى نفسها.

أَلعلّهم كتبوا كتابه بما يرضيهم، أو سمعوا فيه ما يبرّرهم ويعليهم؟ أو قرأوا فيه تزكيتَهم؟ ألعلّ كهنتهم قدّسوا أنفسهم به وهم صانعو مكرهات ورجاسات، وعبدة أصنام؟ لكي يعرف حزقيالُ الجوابَ، رفعه الروحُ إلى باب الهيكل الشرقيّ، المتّجه نحو الشرق وأراه الكهنة والرؤساء وهم في تفكيرهم الأثيم، ومشورتهم الرديئة (حزقيال ١١: ١-٣)، وأراه شيوخهم وهم يعبدون الرسومات والأصنام التي جعلوها على حائط قدس أقداس الهيكل (حزقيال ٨: ٥-١٢)، وفي المشهدَين ثمّة على رأس الشيوخ والرؤساء وفي وسطهم مَن اسمه «يازنيا»، وفي العبريّة تجانس لهذا الاسم مع عبارة «زنى». عندما تبادر إلى ذهن الناس أنّ «الربّ لا يرانا» (حزقيال ٨: ١٢)، «لم يشدّدوا يد الفقير والمسكين، وتكبّروا، وعملوا الرجس»، و»شبعوا من الخبز وسلام الاطمئنان» (حزقيال ١٦: ٤٩-٥٠). غير أنّهم حسبوا بناء هيكلٍ ضخم منّة لهم على الله. وظنّوا أنّ العبادة وطقوسها الشكليّة الفارغة هي اتّباعُه، فيما هم في هذا، لا يعبدون إلّا صنميّتهم، شهوتهم، كبرياءهم، نظرتهم إلى إلهٍ صنعوه في فكرهم والرغائب.

غير أنّ الربّ الذي شاء أن يظهر لحزقيال «بالروح» هدم الهيكل، كسر الكهنوت وكلامه والرئاسات وسلطانها، أزال العبادة، والمعنى أنّ كلّ هذا سقط أمامه، أصبح كلا شيء، وهو لا شيء. أخذ من الناس الصنم الذي نصبوه له، صنم الشكل والكلام والفعل والتفكير، ورماه في هوّة اللاشيئيّة. قال للناس، لستُ إلهَ أبنيتكم الحجريّة، أو طقوسكم، أو أعيادكم، أو تقدماتكم، أو بلدانكم، أو ملوككم، أو جيوشكم، أو حروبكم، بل أنا الإله الذي أوصاكم بأن تحبّوا القريب كأنفسكم (لاويّين ١٩: ١٨)، وألّا تنتقموا وتحقدوا بل أن تُـجروا العدل بين الناس، وألّا تظلموا الغريب واليتيم والأرملة، ولا تسفكوا دمًا زكيًّا ولا تسرقوا ولا تقتلوا ولا تزنوا (إرمياء ٧: ٦).

وكما مات آدمُ لـمّا شاء أن يكون سيّد حياته من دون الله، هكذا غدا الشعب عظامًا يابسة لا حياة فيها. غير أنّ الله الذي كان «روحه» يرفرف على المياه الطاغية والذي جعل من الأرض الخربة الخالية خليقة حسنة جدًّا، يعود بـ «روحه» هذا فيخلق من العظام الرميم حياةً كما يشاء، ويجدّد الشعب، ويقيم هو لنفسه هيكلًا كما يشاء، في مدينة يبنيها هو كما يشاء، وفي هذه الجِدّة يكون هو الوسط وكلمته تفيض إلى المتحلّقين حوله وسامعي صوته ومن هناك تخرج وتملأ الأرض، فتتحوّل أورشليم من مدينة أرضيّة استولى عليها ملك وأرادها أن تكون مدينة كسائر المدن، حتّى في دينها وإلهها، إلى مدينة سماويّة غير مصنوعة بيد إنسان، هي حضور الله الحرّ الدائم، وسكنى الروح، معلّمة الأمم كلام الله، وهي بهذا تستحقّ اسمها الجديد، «الربّ هناك» (حزقيال ٤٨: ٣٥).

أورشليم السماويّة هذه تحقّقت يومَ الخمسين، حين «صار بغتة صوت من السماء كما من هبوب ريح عاصفة وملأ كلّ البيت حيث كانوا [الرسل] جالسين، وظهرت لهم ألسنة منقسمة كأنّها من نار واستقرّت على كلّ واحد منهم، وامتلأ الجميع من الروح القدس وابتدأوا يتكلّمون بألسنة أخرى كما أعطاهم الروح أن ينطقوا» (أعمال ٢: ١-٤). غدا الرسلُ هم، بما أعطاهم الروح أن ينطقوا، أورشليم السماويّة، حضورَ الربّ، كما غدا حزقيالُ، بالروح نفسه، حضورَ الربّ وهيكل الربّ. في المشهد تتراجع أورشليم المدينة الأرضيّة وتبهت حتّى الزوال، وكذلك الكهنوت، والرئاسات، ولا يبقى غير الرسل الناطقين بالروح وكلامهم على يسوع المسيح الذي مات وقام وغدا حياةً للأرض كلّها. وبدلًا من أورشليم الأرضيّة التي كانت تقلّد الأمم في الدِين والسياسىة، أتت الأمم كلّها لترى في الرسل الناطقين «الربّ هناك»، أي حضور الربّ، الذين منهم خرج الإنجيل في أورشليم والسامرة وأقاصي الأرض، إذ صاروا شهودًا للذي تألّم ومات وقبر وقام في اليوم الثالث حياةً للعالم. والأمم التي تبلبلت لغاتُها يومَ بنت بابل (تكوين ١١) مدينة متكبّرة، علامة لابتعادهم عن الله واكتفائهم بذواتهم، عادت واتّحدت في لغة واحدة وفَهْم واحد في خروج كلّ واحد منهم من بابله إلى برّيّة الربّ، إلى «الربّ هناك»، ليرى كلمة الله، يسوعَ الذي شاء بموته أن يخرجنا من آثامنا إلى الله في الروح، روح عنصرة لا تتوقّف.

 

عظة في القدّيس فوقا أسقف سينوبي

في ذكرى نقل رفات القدّيس فوقا الشهيد في رؤساء الكهنة أسقف سينوبي إلى مدينة القسطنطينيّة، الموافق في ٢٣ تموز، ألقى القدّيس يوحنّا الذهبيّ الفم للمناسبة نحو السنة ٤٠٠ م. بحضور الملك وزوجته الملكة:

لقد كانت مدينتنا منوّرة ورائعة ومجيدة، ليس لأنّها تحوي أعمدة جميلة، ولكن لأنّه فيها شهيد قادم إلينا في موكب من البنطس. رأى الشهيد حسن استضافتكم وملأكم بالبركات. مدح غيرتكم وبارك مجيئكم. أثنيت على حظوة أولئك الذين اجتمعوا للقاء الشهيد واشتركوا معًا في تنشّق رائحة طيبه الحلوة، وشجبت أولئك البائسين الذين فاتهم العيد (...).

أدعوكم بألا تفوّتوا عليكم هذا العيد المقدّس. ليترك الشبّان والشابّات العذارى بيوتهم، والمتزوّجون أيضًا منازلهم! لتفرُغ المدينة، وليتوجّه الجميع إلى ضريح القدّيس الشهيد فوقا! فإنّ الأمبراطور وزوجته سيغادران القصر لينضمّا إلى الاحتفال بالعيد. (...) فطبيعة قوّة الشهيد تصطاد في شبكتها ليس فقط الأشخاص العاديّين، بل الذين يعتمرون التيجان المرصعة بالنفائس. هذه القوّة مصدر خزي للوثنيّين. هذه القوّة تفضح خطأهم، هذه القوّة تُبيد كلّ الشياطين. هذه القوّة هي شرفنا، وهي تاج الكنيسة.

وأنا أحتفل مع الشهداء، لا أنظر إلى المروج المغطاة بالزهور بل أحدّق بأكاليل شهادتهم. فإنّهم بدلًا من أن يفيضوا ينابيع الماء، أهرقوا دماءهم. هلكت عظامهم. ومع ذلك يبقى ذكراهم متجدّدًا مع كلّ يوم. فكما لا تنطفئ الشمس بأيّ شكل من الأشكال، كذلك ذكرى الشهداء. لأنّ المسيح نفسه أعلن: «السماء والأرض تزولان ولكنّ كلامي لا يزول» (متّى ٢٤: ٣٥).

(...) فما قلتُه بالأمس، أكرّره اليوم أيضًا، وهو أنّه بينما لا يحصل الشهيد على مجد بسبب حضور أعداد غفيرة في عيده، بل ينال الحاضرون نعمة كبيرة بمشاركتهم في العيد. فكما أنّ الشخص الذي ينظر إلى الشمس لا يجعلها أكثر بريقًا، بل تغمر عينَيه بالضوء؛ كذلك، فإنّ مَن يكرّم شهيدًا لا يجعله أكثر إشراقًا، بل يستمدّ من الشهيد نور النعمة.

Last Updated on Friday, 21 July 2023 21:07
 
Banner