Article Listing

FacebookTwitterYoutube
Share

للمقبلين على سرّ الزواج المقدّس رجاءً مراجعة موقع:  wedding2

مركز القدّيس نيقولاوس للإعداد الزوجيّ

Home Raiati Bulletin Raiati Archives Raiati 2024 رعيتي العدد ١٢: جردة حساب واستشراف لشهادتنا
رعيتي العدد ١٢: جردة حساب واستشراف لشهادتنا Print Email
Written by Administrator   
Sunday, 24 March 2024 00:00
Share

رعيتي العدد ١٢: جردة حساب واستشراف لشهادتنا
الأحد ٢٤ آذار ٢٠٢٤ العدد ١٢ 

الأحد الأوّل من الصوم (الأرثوذكسيّة)

اللحن ١ - الإيوثينا ٩

تقدّمة عيد البشارة،

 

كلمة الراعي

جردة حساب واستشراف لشهادتنا

رعيتي العدد ١٢: جردة حساب واستشراف لشهادتنا عندما صرّح فيلبّس إلى نثنائيل أنّه عثر على يسوع كشف لنا النقاب عمّا سبق وما تلا هذا اللقاء، وهذا ما نعوّل عليه في سعينا اليوم لنلقي الضوء على شهادتنا ليسوع على غرار ما فعل فيلبّس.

فقول فيلبّس الأوّل: «وجدنا الذي كتب عنه موسى في الناموس والأنبياء يسوع ابن يوسف الذي من الناصرة» (يوحنّا ١: ٤٥)، يعني أنّه اختتم عمليّة بحث وتفتيش وتمحيص دقيقة بشأن مَن يؤمن به، تلمّسًا منه للحقيقة والمعرفة الحسنة والإيمان الحقيقيّ. لـمّا تكوّن لديه اليقين بشأن المخلّص المنتظَر، شارك محدّثَه خلاصته، على سبيل أن يمحّصها بدوره ويأخذ منها تاليًا موقفًا شخصيًّا. 

أمّا قول فيلبّس الثاني: «تعالَ وانظرْ» (يوحنّا ١: ٤٦)، فيعني دعوة نثنائيل إلى أن يتخلّى عمّا لديه من تصوّرات أو اعتبارات أو مواقف مسبقة، وأن يتفحّص بدوره الشهادة التي قُدّمت إليه ليتبيّن حقيقتها علّه يتبنّاها إن شاء وآمن بها.

في الموقف الأوّل، يدعونا فيلبّس إلى أن نعي أهمّيّة معرفة إيماننا معرفة صحيحة ووافية وأكيدة، تسمح لنا لا أن نعيشها فقط بل أيضًا أن نكون رسلها إلى سوانا، فيحيون كما نحيا بـمَن آمنّا وسمعنا ولمسنا وشهدنا. أمّا في الموقف الثاني، ففيه تأكيد على أهمّيّة احترام عقل وضمير وإرادة مَن نتوجّه إليه، من جهة، وعلى أهمّيّة أن تكون لنا شهادة تعكس حقيقة ما نقول، من جهة أخرى. فعندما نشهد لإيماننا أمام إخوتنا أو أترابنا، لا بدّ من أن يكون لنا سند حيّ يعبّر عمّا نشهد له يمكنه أن يركن إليه محدّثنا ليأخذ موقفًا منه.

«تعالَ وانظرْ»، هي دعوة، لكلّ منّا ولنا جميعًا، لنقوم بجردة حساب صادقة، تساعدنا على الخروج من جهل أو إهمال أو تنظير أو صنميّة وقعنا فيها. هلّا أطللنا على بعض هذه الأوجه؟

تعالَ وانظرْ توبةً لبسنا وشاحها، فحصٍ لذواتنا، وتخلٍّ عن تبريراتنا وعللنا، واعترافٍ بتقصيرنا وضعفنا وخطيئتنا، وتصحيحٍ لاعوجاج وانحراف فينا، وتربيةٍ على لوم الذات وعدم إدانة قريبنا.

تعالَ وانظرْ قلبًا يستسمح أخاه، أو يفيض منه عليه زيتًا وخمرًا، أو يسكب منه على رجلَيه ورأسه طيبًا غالي الثمن، أو ينحني أمامه فيتمنطق ويغسل له رجلًا، أو يرعاه ويعود به إلى الحظيرة، أو يراه عائدًا فيضمّه إليه مغتبطًا، أو يحمل معاناته رافعًا إيّاها في صلاته.

تعالَ وانظرْ ذهنًا يفحص كلّ شيء بتدقيق ومعرفة وحكمة، ويرى حكمة الله فيها ويستخدمها بحسب قصد الله منها أو يستخرج ما هو موافق منها لإرادة الخالق والراعي والضابط الكلّ. 

تعالَ وانظرْ رجاءً واقعيًّا نواجه به كلّ شدّة وضيق واضطهاد، أو كلّ ضعف وجهل واعوجاج، أو كلّ حزن أو إحباط أو فتور، فتؤول هذه لخير الذين يحملون خبرتها، سواء تشديدًا للنفوس وافتقادًا وتعزية لها، أو تحفيزًا وتنشئة وتقويمًا لها، أو تشجيعًا وتنمية ورعاية لها.

تعالَ وانظرْ تسبيحًا وعبادةً وشكرانًا يعكس حقيقة توبتنا إلى الله، التصاقنا به وعملنا بوصاياه، نكراننا لذواتنا وحملنا صليبه، فرحنا به وخدمتنا له، وحدتنا به وشركتنا معه.

تعالَ وانظرْ حلقات خدمة وبناء وتنمية، حلقات شورى وعناية ومتابعة، حلقات ذود عن حقّ وسلام وعدل، تكلّلها رعاية وقيادة تعكسان خدمة رئيس أو راعٍ أو مسؤول هو آخر الكلّ وخادم الكلّ.

تعالَ وانظرْ كرازة إنجيليّة حيّة، بالقول والفعل، بمعرفة وعن غيرة حسنة، باتّضاع وكِبَر نفس، بقناعة وثقة، بإمّحاء وفرح، يحملها رسل السلام والمصالحة الإنجيليّة ويقودون بها النفوس إلى معرفة الإله الحقيقيّ.

تعالَ وانظرْ وحدة نُعلي فيها كرامة الآخر، وتستتبّ فيها المحبّة الأخويّة، وتحميها روح البذل والتضحية، وتسهر عليها اليقظة والفطنة، وتظلّلها رعاية دؤوبة واعية صاحية راشدة وحسنة التدبير لشجونها. 

تعالَ وانظرْ وجوهًا حاضرة وأخرى غاربة تعكس وجه يسوع في حياتها وشهادتها، وصارت مثالًا يُحتذى، واستحالت شفيعة من أجلنا، وباتت مقامًا لنعمة الله. 

أَلعلّنا بذلك نستحقّ معاينة ما أعلنه يسوع، في ختام حواره مع نثنائيل: «الحقّ الحقّ أقول لكم: من الآن ترون السماء مفتوحة، وملائكة الله يصعدون وينزلون على ابن الإنسان» (يوحنّا ١: ٥١)؟ أَلا سهِّلْ يا ربّ سبيلنا إليك وإلى إخوتنا وأترابنا، فتكون أنت وسطها، وبداءتها ونهايتها، وننتهي كلّنا إليك، لتكون الكلّ والأوّل في كلّ شيء.

+ سلوان
متروبوليت جبيل والبترون وما يليهما
(جبل لبنان)

 

الرسالة: عبرانيّين ١١: ٢٤-٢٦ و٣٢-٤٠

يا إخوة بالإيمان موسى لـمّا كبُرَ أبى أن يُدعى ابنًا لابنة فرعون، مختارًا الشقاء مع شعب الله على التمتّع الوقتيّ بالخطيئة ومُعتَبرًا عارَ المسيح غنًى أعظم من كنوز مصر لأنّه نظر إلى الثواب. وماذا أقول أيضًا إنّه يضيق بي الوقت إن أخبرت عن جدعون وباراق وشمشون ويفتاح وداود وصموئيل والأنبياء الذين بالإيمان قهروا الممالك وعملوا البرّ ونالوا المواعد وسدّوا أفواه الأسود وأطفأوا حدّة النار ونجوا من حدّ السيف، وتقووا من ضعف وصاروا أشدّاء في الحرب وكسروا معسكرات الأجانب وأخذت نساء أمواتهنّ بالقيامة وعُذّب آخرون بتوتير الأعضاء والضرب ولم يقبلوا النجاة ليحصلوا على قيامة أفضل، وآخرون ذاقوا الهزء والجلد والقيود أيضًا والسجن، ورُجموا ونُشروا وامتُحنوا وماتوا بحدّ السيف، وساحوا في جلود غنم ومعز وهم معوَزون مُضايقون مجهودون (ولم يكن العالم مستحقًّا لهم). وكانوا تائهين في البراري والجبال والمغاور وكهوف الأرض. فهؤلاء كلّهم مشهودًا لهم بالإيمان لم ينالوا الموعد لأنّ الله سبق فنظر لنا شيئًا أفضل ألّا يكملوا بدوننا.

 

الإنجيل: يوحنّا ١: ٤٣-٥١

في ذلك الزمان أراد يسوع الخروج إلى الجليل فوجد فيليبّس فقال له اتبعني. وكان فيليبّس من بيت صيدا من مدينة أندراوس وبطرس فوجد فيليبّس نثنائيل فقال له إنّ الذي كتب عنه موسى في الناموس والأنبياء قد وجدناه وهو يسوع بن يوسف الذي من الناصرة. فقال له نثنائيل أمن الناصرة يمكن أن يكون شيء صالح؟ فقال له فيليبّس تعال وانظر. فرأى يسوع نثنائيل مقبلًا إليه فقال عنه: هوذا إسرائيليّ حقًّا لا غشَّ فيه. فقال له نثنائيل من أين تعرفني؟ أجاب يسوع وقال له: قبل أن يدعوك فيليبّس وأنت تحت التينة رأيتك. أجاب نثنائيل وقال له: يا معلّم أنت ابن الله أنت ملك إسرائيل. أجاب يسوع وقال له: لأنّي قلت لك إنّي رأيتك تحت التينة آمنتَ، إنّك ستعاين أعظم من هذا. وقال له الحقّ الحقّ أقول لكم إنّكم من الآن ترون السماء مفتوحة وملائكة الله يصعدون وينزلون على ابن البشر.

 

العمل الإلهيّ ويد الإنسان

المسيرةُ الروحيّة لا يمكن أن تكون بمعزل عن المؤازرة الإلهيّة. لأنّ الحضور الإلهيّ له الفضل الأوّل في عمليّة ترقِّينا، وجهادنا للخلاص. فالأعمال الصالحة المشكورة التي نقوم بها تنتهي إلى الصفر، وتتلاشى إذا توقّف الإنسان عندها من دون أن يتناول من قداسة الله. تنقية الإنسان لذاته وممارسته للفضائل لا تكفي بحدّ ذاتها كي يصل الإنسان إلى التألّه، بل أنّها الواسطة فقط التي تجعل الإنسان مُؤهَّلًا لتقبّل العطيّة الإلهيّة.

جهادنا ضدّ الشيطان يتمحور حول اقتناء الروح القدس، اللاعب الأساس في ملعب جهادنا، لنكون حينها مُستعدّين لتقبّل العطيّة التي من فوق، التي بها «نحيا ونتحرّك ونوجد». والقدّيس مرقس الناسك يقول: «لا يمكننا أن نقوم بأيّ عمل في سبيل قداستنا بمعزل عن النعمة». فالبشر الذين وصلوا إلى التألّه، هم الذين تجنّبوا الخطيئة، أي حركة النفس المخالفة للطبيعة مُستهدِفين العيش بحسب الله، مُنتظرين عطيّته في كلّ يوم بصبرٍ كبير وعلى الرجاء.

الكنيسة الأرثوذكسية فهمت هذه الحقيقة ومفعول القوى الإلهيّة غير المخلوقة. فشجَّعت على إفراغ الذات للامتلاء من الحضور الإلهي.ّ إذ بقدر الانفتاح يكون الالتماع بالفلك الإلهيّ. «فكلّ نجمٍ يختلف عن النجم الآخر بالضياء» (١كورنثوس ١٥: ٤١). بالطبع هذه الشراكة تتمّ بالنعمة لا بالجوهر الإلهيّ. ومن هنا نفهم أنّ القداسة هي صفة من صفات الله وهو مصدرها. والإنسان ليس قدّيسًا من نفسه، ولكنّه يتقدّس بالمشاركة في قداسة الله. ولكن هذا لا يُلغي الدور ولا الإرادة الإنسانيّة. فالمسيح خلق الإنسان على صورته، طالبًا منه أن يحفظ وصاياه، كي يصل إلى مثاله. فالمؤازرة الإنسانيّة مطلبٌ إلهيٌ للخلاص.

صحيح أنّ المسيح خلّص الإنسان مجّانًا. وفتح أبواب الفردوس مجّانًا. وصحيح أيضًا أنّه دفق لنا ضياءه من القبر من دون استئذاننا ولا مساعدتنا. ولكنّه لم يلغ صورته منّا ولا طبيعتنا الحُرّة. فهو أمس واليوم وإلى الأبد، ينتظر منّا اقتبال فداءَه، وبشكل شخصيّ، ليتحَقّق فينا خلاصه.

وهاك مثلٌ للتوضيح: إن كان إنسانٌ في غرفة مُظلمة دامسة. فمهما فعل فهو في العتمة، ويدور حول نفسه، لا مفرّ ولا ضياء. فإن أتاه أحدٌ بمصباحٍ وَضّاءٍ، أيكون حينها الفضل بالضياء عائدًا له، أم لـمَن أعطاه الضياء مجّانًا؟ بالتأكيد ليس هو صاحب الفضل، ولا هو المصدر للضياء. بل الوهج لـمَن منحه المصباح. ولكن لكي تتمّ الرؤيا لا بدَّ لهذا الـمُستنير من أن يفتح عينيه للوهج. فلو أغمض عينيه إراديًا لما استنار بل بقي في العتمة والظلام. هذا هو حالنا لأنّ الفداء ضياءٌ دُفِقَ إلينا مجّانًا، ويبقى علينا أن نقتبله إراديًّا. يقول إيفاغريوس البُنطيّ: «إن كان العميان لا يرون ضياء الشمس، هذا لا يعني أنّ الشمس لا تُشرق».

القداسة إذًا هي الانفصال الحرّ عن كلّ ما في العالم لصالح الله. هي تفضيل المشيئة الإلهيّة على أيّ مشيئة أخرى، أي الارتحال إلى الأرض التي يريدها الله، كإبراهيم. بالعمق هي رفض الشيطان للالتحاق بالوهج. «فإذا كنّا نحيا بالروح فعلينا أن نقتفي آثار الروح» (غلاطية ٥: ٢٥).

طروبارية البشارة تقول «لقد خاب آدم فلم يعد إلهًا كما كان قد اشتهى، فصار الإله إنسانًا لكي يصير آدم إلهًا». ويؤكّد القدّيس غريغوريوس اللاهوتيّ إنّ «الغنيّ يفتقر من أجلي بالجسد لكي أغتني أنا بألوهته». نحن إذًا مُلزمون أن نلتقط اليد الـمُؤلِّهة والممدودة إلينا «كي نمتلئ إلى كلّ ملء الله» (أفسس ٣: ١٤). آمين.

 

تاريخ نشأة أبرشيّة جبيل والبترون (٤)

كانت أبرشيّة بيروت ولبنان من أكبر أبرشيّات الكرسي الأنطاكيّ إذ كانت تضمّ مدينة بيروت ومتصرّفيّة جبل لبنان ضمن مساحة لا تقلّ عن ٣٩٠٠ كيلومترًا مربّعًا. اتّساع الأبرشيّة الجغرافيّ لم يكن مشكلة بالنسبة إلى مطارنة أبرشيّة بيروت ولبنان عبر التاريخ، إذ إنّ المسيحيّين الأرثوذكسيّين فيها كانوا قلّة، وهذه القلّة كانت تستوفي نوعًا ما حقّها من الرعاية الأسقفيّة رغم وعورة جبال لبنان وصعوبة المواصلات فيه.

بدأت مشكلة الاتّساع تظهر مع إقرار نظام المتصرّفيّة في جبل لبنان إذ تكاثر سكّانها والمهاجرون إليها بسبب استتباب الأمن فيها، كما ازداد عدد سكّان مدينة بيروت بسبب توفّر مجالات العمل والتجارة فيها. ومن الطبيعيّ أن ينمو عدد الأرثوذكس في الأبرشيّة الموحّدة بيروت ولبنان إلى حدّ فاق أبرشيّات الكرسيّ الأنطاكيّ الأخرى.

كانت أوقاف الأديرة في منتصف القرن التاسع عشر، تمرّ في حالة متدهورة نظرًا إلى إهمالها وعدم استصلاحها ولاستعمال الوسائل التقليديّة جدًّا في الزراعة، لا بل أدّى التدهور إلى وقوع هذه الأديرة في ديون باهظة سدّدها المطران غفرائيل شاتيلا من ماله الخاصّ بعد سيامته مطرانًا على بيروت ولبنان، وأخذ يهتمّ بإصلاح أرزاق الأديرة وأبنيتها، لذلك أوجد الرهبان فيها. وأنشأ ديرًا حديثًا هو دير سيّدة النوريّة في بلدة حامات كما شيّد أبنية جديدة في كلّ دير من أديرة أبرشيّته، على أن تسهم مداخيل الأديرة بعد ذلك في مصاريف المدرسة الإكليريكيّة التي أُنشئت في عهده.

تحسّن وضع الأديرة وأوقافها إلى حدّ ما، إذ بالإضافة إلى مدخول التبرّعات (النذور والهبات)، أصبح بالإمكانيّة الاعتماد على مداخيل الأراضي الزراعيّة. شكّل غنى القسم الجبليّ من الأبرشيّة بالأوقاف العامّة والمحلّيّة حافزًا للبنانيّين بالانفصال عن الجزء البيروتيّ ومؤشّرًا بإمكانيّة الاستقلال إذ إنّ البنية التحتيّة (المادّيّة) لهذا القسم كانت كافية بأن تغطّي مصاريف أبرشيّة كبرى جديدة ومستقلّة.

بعد وفاة المتروبوليت غفرائيل شاتيلا (في ٧ كانون الأول ١٩٠١)، حدثت أعمال شغب في بيروت وجرت مظاهرات تطالب بالأرشمندريت جيراسيموس مسرّة مطرانًا على أبرشيّة بيروت ولبنان. استمرّت الأمور معلّقة، البيروتيّون يطالبون بجيراسيموس والبطريرك يؤكّد على وجوب تقديم جيراسيموس استعفاءه من أبرشيّة حلب (لأنّه كان انتخب حينها مطرانًا على حلب). ولكن ظلّ هذا الأخير يتهرّب من ذلك خشية إقصائه عن الانتخابات. مضى على الأزمة الأسقفيّة ما يقلّ عن السنة ولم يبرز أيّ تقدّم، فالأطراف الثلاثة كانوا مصرّين على مواقفهم المتشنّجة. وعى مراسل البطريرك في بيروت حبيب أبو شعر التعقيدات. فارتأى بالاتفاق مع البطريرك أن يجلب من سكّان جبل لبنان عرائض تطالب بفصلهم عن أبرشيّة بيروت.

بعث أبو شعر بالرسائل إلى البطريركيّة وقد حوت مضمونًا متشابهًا إذ استهلّت بالحجّة بأنّه كان في جبل لبنان أسقفيّتان رسوليّتان (جبيل والبترون) واستتبعت بسرد الأحداث التي مرّت على هاتين الأسقفيّتين وتأثيرها على نقص عدد السكّان ثمّ ازديادهم وظروف إلحاقهما بأبرشيّة بيروت وطلب فيها اللبنانيّون بعد ذلك من المجمع الأنطاكيّ فصْلهم عن أبرشيّة بيروت. خاصّة أنّ السكّان في جبل لبنان تزايد عددهم كثيرًا في السنوات الأخيرة.

عقد المجمع الأنطاكيّ المقدّس المخوّل بإجراء الفصل لدراسة هذا الملفّ. بعد البحث واستمزاج الآراء، صدر قرار المجمع بقبول طلب الفصل معلّلًا أسبابه، وتقرّر أن يكون المطران في جبل لبنان متروبوليتًا مثل سائر المطارنة خاضعًا للبطريركيّة الأنطاكيّة مباشرة باسم «مطران جبيل والبترون وما يليهما» وتقع تحت مسؤوليّته المناطق الواقعة من قضاء الشوف حتّى القويطع في الكورة مشتملة على جميع الشطآن، بينهما ما عدا مدينة بيروت. في ٢٠ آذار ١٩٠٢ أصدر البطريرك ملاتيوس المنشور المسمّى براكسيس يعلن فيه انتخاب بولس أبو عضل مطرانًا على جبيل والبترون وما يليهما وسيامته ويؤذن «بعمله» مطرانًا، ويرد فيه خبر الانفصال.

مكث المطران بولس أبو عضل في الدار البطريركيّة حتّى ٢ نيسان ١٩٠٣، تاريخ زيارته الأولى إلى أبرشيّته. وكان قد بعث، بعد تسلّمه البراكسيس، الرسالة الرعويّة الأولى إلى سكّان أبرشيّة لبنان يكرّر فيها ما ورد في البراكسيس من قرار الفصل إلى انتخابه مطرانًا على الأبرشيّة المنفصلة.

Last Updated on Friday, 22 March 2024 16:37
 
Banner