الأحد ٥ أيار ٢٠٢٤ العدد ١٨ 

أحد الفصح المجيد

كلمة الراعي

أن تشهد له على غرار شهادته لأبيه

 شهد يسوع لأبيه. نبعت شهادته من كونه «ابنه الوحيد» قبل خلق العالم، ومن كونه أيضًا «ابنه الحبيب» الذي به سُرّ، كما سمعناه في معموديّة يسوع في الأردن ومن ثمّ في تجلّيه على جبل ثابور، في حادثتَين مفصليّتَين من سرّ تجسّده، دشّن بالأولى كرازته العلنيّة وحدثت الثانية على عتبة نهايتها، قبل آلامه الخلاصيّة بقليل. هكذا وصلتنا البشرى: «الكلمة صار جسدًا وحلّ بيننا، ورأينا مجده، مجدًا كما لوحيد من الآب، مملوءًا نعمة وحقًّا» (يوحنّا ١: ١٤).

 شهادة يسوع، كما تلقّفها تلاميذُه الأوائل، وبشكل خاصّ الانجيليّ يوحنّا، كشفت عن تشاركيّة ممكنة بين الله والإنسان، يمنحها الأوّل للثاني، ليس على صعيد التَشارُك في الطبيعة أو الجوهر الإلهيّ، بل على صعيد التَشارُك في القوى الإلهيّة، والتي عبّر عنها في حديثه عن النور والحياة والنعمة والحقّ التي في يسوع، وكلّلها بإعلانه عن عطيّة بنوّتنا لله، المعطاة بيسوع والتي تحقّقت فيه بتجسّده وإتمامه مشيئة أبيه، وتتحقّق به لتصير نصيبنا إذ «من ملئه نحن جميعًا أخذنا، ونعمة فوق نعمة» (١: ١٦).

هذا كلّه لم يأتِ من عبث، بل سبقه عمل حثيث من الله في التاريخ البشريّ اكتمل بالتهيئة الأخيرة على يد المعمدان يوحنّا، أعظم مولود من امرأة، وأحد الشهود الذين وضعهم الله لنفسه في الأرض. هذا قال عن شهد ليسوع: «إنّ الذي يأتي بعدي صار قدّامي، لأنّه كان قبلي»، وقيل فيه: «هذا جاء للشهادة ليشهد للنور، لكي يؤمن الكلّ بواسطته» (١: ١٥ و٧). هو شهد ليسوع أمام شعبه بأن اعتمد هؤلاء في الأردن واعترفوا بخطاياهم، ودلّ عليه تلاميذَه الأخصّاء ليتبعوه. أمّا واقع الحال فقد أشار إليه الإنجيلي يوحنّا، حيث قوبل يسوع بالرفض من أبناء شعبه، بيد أنّ الذين آمنوا به أخذوا النصيب الصالح الذي لا يُنزع منهم: «إلى خاصّته جاء، وخاصّته لم تقبلْه. وأمّا كلّ الذين قبلوه فأعطاهم سلطانًا أن يصيروا أولاد الله، أي المؤمنون باسمه» (١: ١١ و١٢).

من اللافت التوقّف عند شهادة أولئك الذين قبلوا دعوة يسوع وتبعوه، ومنهم التلميذ الحبيب الذي شهد للمعلّم بشأن صيرورتنا، أي مآلنا الأخير، لأنّه «فيه كانت الحياة، والحياة كانت نور الناس» (١: ٤)، فتكون حياتُه حياتَنا، وأيضًا بشأن سيرورتنا، أي الدرب المؤدّي إليه، لأنّه «كان النور الحقيقيّ الذي ينير كلّ إنسان آتيًا إلى العالم» (١: ٤ و٩)، فهو الطريق الذي به نبلغ الآب.

لا تكتمل حلقات الشهادة هذه، من يسوع لأبيه، ومن المعمدان ليسوع، والتلميذ الحبيب لمعلّمه، من دون شهادتنا لربّنا وإلهنا القائم من بين الأموات. فهذه كلّها تشكّل حلقات متتابعة ومتكاملة ومتآلفة في تدبير إلهيّ واحد انكشف لنا وقبلناه وآمنّا به وانطلقنا في خدمته وبذلنا ذواتنا في سبيله. فما نشهد له، أو مَن نشهد له، لا يقتصر على شخص بل يخصّ كلّ المؤمنين، ولا يشمل جماعة محدّدة بل كلّ مَن هم مخلوقون على صورة الله. الشهادة هي خروجنا للقاء الربّ القائم. إنّه خروجي الشخصيّ وخروج الجماعة كلّها إليه. وهو أيضًا خروجنا فرادى وجماعة إلى أترابنا، إلى أبناء جيلنا، كاشفين لهم مشيئته من أجلهم، عاكسين لهم نوره وحياته التي فينا، حاملين إليهم النعمة والحقّ التي من لدنه، شاهدين لصلاحه من أجل الكلّ، داعين إيّاهم إلى معرفته والإيمان به وخدمته.

هذا كلّه حملته الكنيسة وأبناؤها بشرى لكلّ ذي جسد، وقدّمته قربانًا على المذبح الإلهيّ بيسوع المسيح، وعلى مذبح القريب بأبنائها الشاهدين له، بالقول والفعل، في الصلاة والخدمة، في الاعتراف والاستشهاد، في التعليم والتربية والرعاية، في النسك وأعمال الفضيلة والبرّ، في النضال من أجل الحقّ ورفع الظلم وإحقاق العدل وصون السّلام، في تبنٍّ دؤوب لتحقيق تدبير الله ومشيئته في كلّ زمان ومكان، فيصير أعضاءُ الجسد مماثلين لرأسه، ينيرون بنوره ويُـحيون بحياته ويشهدون لشهادته لأبيه، دون أن تدركهم الظلمة بعد الآن.

ألا باركْ يا ربّ سعينا للخروج إلى لقائك في الجليل حيث أوصيتَ تلاميذك أن يلتقوك بعد قيامتك، تلك الجليل التي خبرناك فيها مرّة، ونشتاق اليوم أن نستعيدها خبرة معاشة، توبة إليك، إذ تتوب إلينا مرّة بعد مرّة، لتكون أنتَ نورنا وحياتنا، فنعطيك سوانا مجّانًا، شهادة لما أعطيتنا إيّاه مجّانًا.

+ سلوان
متروبيوليت جبيل والبترون وما يليهما
(جبل لبنان)

الرسالة: أعمال الرسل ١: ١-٨

إنّي قد أنشأتُ الكلام الأوّل يا ثاوفيلس في جميع الأمور التي ابتدأ يسوع يعملها ويُعلّم بها، إلى اليوم الذي صعد فيه من بعد أن أوصى بالروح القدس الرسلَ الذين اصطفاهم، الذين أَراهم أيضًا نفسَه حيًّا بعد تألّمه ببراهين كثيرة وهو يتراءى لهم مدّة أربعين يومًا ويُكلّمهم بما يختصّ بملكوت الله. وفيما هو مجتمع معهم أوصاهم بألاّ تبرحوا من أورشليم بل انتظروا موعد الآب الذي سمعتموه مني، فإنّ يوحنّا عمّد بالماء وأمّا أنتم فستعمَّدون بالروح القدس لا بعد هذه الأيّام بكثير. فسأله المجتمعون قائلين: يا ربّ أفي هذا الزمان تردّ الـمُلْك إلى إسرائيل؟ فقال لهم: ليس لكم أن تعرفوا الأزمنة أو الأوقات التي جعلها الآب في سلطانه، لكنّكم ستنالون قوّة بحلول الروح القدس عليكم، وتكونون لي شهودًا في أورشليم وفي جميع اليهوديّة والسامرة وإلى أقصى الأرض.

الإنجيل: يوحنّا ١: ١-١٧

في البدء كان الكلمة، والكلمة كان عند الله، وإلهًا كان الكلمة، هذا كان في البدء عند الله. كلٌّ به كان، وبغيره لم يكن شيءٌ ممّا كوِّن. به كانت الحياة والحياة كانت نور الناس، والنورُ في الظلمة يضيء والظلمة لم تُدركه. كان إنسان مرسَل من الله اسمه يوحنّا. هذا جاء للشهادة ليشهد للنور، لكي يؤمنَ الكلُّ بواسطته. لم يكن هو النور بل كان ليشهد للنور. كان النورُ الحقيقيّ الذي ينير كلّ إنسان آتٍ إلى العالم. في العالم كان، والعالم به كُوِّن، والعالم لم يعرفه. إلى خاصّته أتى وخاصّته لم تقبله، فأمّا كلّ الذين قبِلوه فأَعطاهم سلطانًا أن يكونوا أولادًا لله الذين يؤمنون باسمه، الذين لا من دمٍ ولا من مشيئة لحمٍ ولا من مشيئة رجلٍ لكن من الله وُلدوا. والكلمة صار جسدًا وحلَّ فينا (وقد أبصرْنا مجده مجدَ وحيد من الآب) مملوءًا نعمة وحقًّا. ويوحنّا شهد له وصرخ قائلاً: هذا هو الذي قلتُ عنه إنّ الذي يأتي بعدي صار قبْلي لأنّه مُتقدِّمي، ومن مِلئه نحن كُلّنا أخذنا، ونعمةً عوض نعمة، لأنّ الناموس بموسى أُعطي، وأمّا النعمة والحقّ فبيسوع المسيح حصلا.

آدم والمسيح والخليقة الجديدة

لعلّ محور سرّ التدبير الخلاصيّ الذي هو أساس التعييد للفصح، وتذكّر صلب المسيح وقيامته، هو استعادة آدم من حالة السقوط إلى الفردوس. وأكثر من ذلك، هو سرّ بلوغ ملء قامة المسيح والشركة في الحياة مع الله بالنعمة.

يصوّر لنا سفر التكوين أهمّيّة الإنسان بالنسبة إلى الله من خلال خلق آدم وحوّاء: «وَجَبَلَ الرَّبُّ الإِلهُ مِنَ الأَرْضِ كُلَّ حَيَوَانَاتِ الْبَرِّيَّةِ وَكُلَّ طُيُورِ السَّمَاءِ، فَأَحْضَرَهَا إِلَى آدَمَ لِيَرَى مَاذَا يَدْعُوهَا...» (تكوين ٢: ١٩-٢٠). إذًا، شارك آدم الله في تسمية الحيوانات، علامة سلطانه عليها. كان آدم ملكَ الخليقة. وأمّا طريقة خلقه مباشرة من يد الله فتقضي على بعض الأساطير القديمة والنظريّات الغنوصيّة القائلة بأنصاف آلهة «إلوهيم» تخلق المادة لأنّ الله منزّه عن المادّة. الله يجبل المادّة بيده مؤكّدًا قدسيّة الجسد.

ولكن ماذا جرى بعد ذلك؟ يخبرنا الكتاب المقدس أنّ آدم وحوّاء سقطا في المعصية. لم يطيعا وصية الله وتاليًا طردهما الله من الفردوس. ولكن ما معنى أنّ آدم سقط؟ من أين سقط وإلى أين؟

لننظر الى حالة الخطيئة التي استولت على آدم وحوّاء: «وَسَمِعَا صَوْتَ الرَّبِّ الإِلهِ مَاشِيًا فِي الْجَنَّةِ عِنْدَ هُبُوبِ رِيحِ النَّهَارِ، فَاخْتَبَأَ آدَمُ وَامْرَأَتُهُ مِنْ وَجْهِ الرَّبِّ الإِلهِ فِي وَسَطِ شَجَرِ الْجَنَّةِ. فَنَادَى الرَّبُّ الإِلهُ آدَمَ وَقَالَ لَهُ: «أَيْنَ أَنْتَ؟». فَقَالَ: «سَمِعْتُ صَوْتَكَ فِي الْجَنَّةِ فَخَشِيتُ، لأَنِّي عُرْيَانٌ فَاخْتَبَأْتُ». لقد اختبأ آدم وحوّاء لأنّهما سقطا عن حضور الله وعشرته عندما قبلا أن يخالفاه ويصنعا مشيئتهما.

هذا بدء السقوط: انفصل كيان آدم وحوّاء عن محبة الله، وابتعد ذهنهما عن مشيئة الله. ولكنّ الله سمح باختبار آدم حتّى ينضج، فالوصيّة تفسح لنا الفرصة لنختار البقاء أو الزوال. لقد حاول الله أن يبعد الشرّ عن الإنسان، فأوصاه أن يكتفي بمعرفة الخير. يقول الآباء إنّ آدم لم يكن في نُضج كافٍ للتمييز لو تعرّض لخيار الشرّ.

إنّ آدم وحوّاء عصيا وصية الله الوحيدة: ألّا يسعيا إلى معرفة الخير والشرّ من ذاتهما، يعني ألّا يقبلا تمييز الخير من الشرّ من عقلهما الخاصّ، بل أن يرذلا مشيئة عقلهما الصغير ويقبلا عطيّة الخليقة من الله فيرعياها بالمحبّة. والحقيقة أنّ الله لم يشأ أن يعرف آدم وحوّاء إلاّ الخير. فالشرّ ليس له كيان في الأساس بل هو نتيجة تأمّل المخلوق في نفسه والابتعاد عن التأمّل في الله. هو أن نسمع في الوجدان أيّ صوتٍ آخر غير صوت الله ونعقل أيّ فكر آخر غير فكر الله بالروح القدس.

وصار تفرّد آدم وحوّاء واستقلاليّتهما عن الله ينموان فيهما، حتّى سادا على كلّ حركاتهما وحياتهما فتغيّرت نفسهما. مع الوقت نَسِيا حياتهما في حضرة الله، وكثرت فيهما الشهوات، وتشوّهت نفسهما من الخطايا.

لـمّا عصي آدم وحوّاء وصيّة الله دخل فيهما الموت لأنّهما انفصلا عن شركة الحياة. «قَدْ مَلَكَ الْمَوْتُ مِنْ آدَمَ إِلَى مُوسَى، وَذلِكَ عَلَى الَّذِينَ لَمْ يُخْطِئُوا عَلَى شِبْهِ تَعَدِّي آدَمَ، الَّذِي هُوَ مِثَالُ الآتِي.» (رومية ٥: ١٤) لم يجد المسيح آدم وحواء لـمّا تجسّد، بل وجد انسانًا مهشّمًا، لا يعرف نفسه، ولا يعرف الله. لهذا نزل الى الجحيم التي قبع فيها آدم: الموت، والظلمة النفسيّة.. والخوف واليأس... والسقوط والموت.

ولكنّ بولس الرسول يؤكّد أنّ المسيح هو رجاء الانسان الساقط بالخطايا. وكما نحن أبناء آدم بالجسد، نصير أبناء المسيح بالجسد والروح بالمعموديّة:» وكَمَا فِي آدَمَ يَمُوتُ الْجَمِيعُ، هكَذَا فِي الْمَسِيحِ سَيُحْيَا الْجَمِيعُ.» (١كورنثوس ١٥: ٢٢)

في انتظار القيامة

بقلم المطران جورج خضر

«قُمْ يا الله واحكمْ في الأرض». هكذا ندعو الله إلى القيام في كنيستي يوم سبت النور. قُمْ حرًّا من الأصنام التي موضعوك فيها. أصنام هي منحوتات شهواتهم وعلى رأسها شهوة البطش بالشعوب. إنّهم لقد ألّهوا القهر وجعلوه فيك لتدعم القهر الذي يمارسون. قالوا إنّك «ربّ القوات» وما أحبّاؤك إلّا الضعاف.

كيف تكون حاكمًا في الأرض؟ الآيات التالية تقول: «إلى متى تقضون بالظلم، احكموا لليتيم والفقير. أنقذوا البائس والفقير وأنصفوا المسكين والبائس». اللهمَّ أنت لا تحكم بأقوال تُقال وإن كان لا بدّ من الكلام. أنت تبدو إذا الكبار أنصفوا اليتيم والعاري الذي عرّوا والمحروم إذا سحقوه. تبيتُ عند المستضعفين فتقوم بهم. هذه أيقونتك الأخيرة. ولا نعيِّد إلّا مع هؤلاء إذا شبعوا عدلًا وقعدوا على آرائك الكرامة.

سرّ الفصح تمتماته في هذا أنّه «لـمّا حلَّ ملء الزمان أرسل الله ابنه مولودًا من امرأة، مولودًا تحت الناموس ليفتدي الذين تحت الناموس لننال التبنّي». وإذ شاركَنا اللحم والدم ولبس الناسوت نحسّ أنّ الله لا يطيق أن يُنظر إليه على أنّه بعيد ولنشعر تاليًّا بقرباه. هو كان دائمًا قريبًا ولكنّه وحده كان يعلم ذلك فأراد أن يكشف لنا علمه وأن «يضرب خيمته في حيِّنا» أي أن يقول لنا إنّه من حيِّنا فيما نحن عليه من لحم ودم.

القيامة مسيرة. ولكنّها كذلك لأنّها تحقّقت في يسوع الناصريّ. وبعد ذلك صارت إرثًا إلى الأبد لكلّ مَن استطاع أن يستضيء بنورها. إنّ الذي ذاق تعزيات القيامة وبهجتها لا يستطيع أن يرتاح إلى شيء آخر على رجاء أن يطرح عن نفسه ترابيّتها حتّى ينتصب قامة من ضياء. وإذا تبادل المسيحيّون التحيّة بعبارة المسيح قام فإنّهم يؤكّدون إيمانًا ثمَّ رجاء على أنّهم هم أيضًا مدعوّون إلى إلّا يرزحوا تحت أي إغراء في هذا العالم، أحياء في أعماق نفوسهم ونقاوة قلوبهم، من أجل خلاص الكون.

من تعليمنا الأرثوذكسيّ: القيامة في العهد القديم

التلميذ: كيف دخل الموت إلى العالم؟

المرشد: أوّل موت عرفه الإنسان حدث لـمّا قام قايين بقتل أخيه هابيل. مذ ذاك بقي هابيل ينتظر القيامة، كما يُستدلّ عليه من كلام الله إلى قايين: «إنّ صوت دماء أخيك صارخ إليَّ من الأرض». لكنّ صراخ هابيل لن يُستجاب حتّى ساعة نزول المخلّص إلى الجحيم. والسّبب، حتّى يصير الإنسان ناضجًا فيدرك تدبير الله الخلاصيّ وتنشأ لديه الرّغبة بالمشاركة به. كان الرّجاء بالقيامة ينقشع شيئًا فشيئًا، وعرف هذا الرّجاءُ مراحل مختلفة.

التلميذ: ما هي العلاقة بين القيامة واليوم الأخير(الآخرة)؟

المرشد: يتناول مفهوم قيامة الأموات في الفكر اليهوديّ النقاط التالية: أ) أنّ اللّه، في آخر الأزمنة، سيقيم مملكته وستبيد كلّ قوّة معاديّة له؛ ب) أنّ الّذين يبقون إلى ذلك اليوم هم وحدهم مَن سيشترك في هذه المملكة، أمّا البقيّة فمصيرهم الهاوية؛ ج) أنّ مكان إقامة مملكة الله هي أورشليم الأرضيّة، وهذه الأخيرة ستعطي مكانها لأورشليم السّماويّة لاحقًا؛ د) أنّ هناك، بالنسبة للبعض، ظلمًا يلحق بأولئك الأبرار... فتجلّى الموقف أن لا تُستبعد مجموعة المؤمنين هذه عن المملكة العتيدة.

التلميذ: ماذا كان مصير البشر المحتوم بالنسبة لليهود؟

المرشد: اعتقد العبرانيّون أنّ الإنسان يذهب عند مماته إلى الشّيئول ولا يخرج منه، وهو مثوى الأموات أو الهاوية، والذي هو أشبه برقاد أو راحة أو خمول، يتخلّلها بين الحين والآخر شيء من الوعي. كانوا يظنّون أنّ الأموات يذهبون إلى حُجَر منفصلة في مثوى الأموات لينالوا عقابهم قبل الدّينونة. «الإنسان يضطجع فلا يقوم إلى أن تزول السّموات، ولا يستيقظون ولا ينبعثون من منامهم» (أيّوب ١٤: ١٢).

التلميذ: وهل هناك استثناءات؟

المرشد: في العهد القديم بعض الاستثناءات نذكر منها: إقامة إيليّا لابن الأرملة في صرف صيدا (٣ملوك ١٧: ٢٠-٢٤)، وإقامة أليشع لابن المرأة الشّونميّة (٤ملوك ٤: ١٨-٣٧)، وإقامة رجل دفن في قبر أليشع (٤ملوك ١٣: ٢١). لا شكّ أنّ إقامة ميت وإعادته إلى الحياة هي إحدى أشكال «القيامة»، ولم تكن لها أبعاد كبيرة عند اليهود، فهي تُعتبر إطالة عمر فقط. ونحن نعلم أنّ سيادة الموت العامّة انتُهكت في هاتَين الشخصيّتَين: أخنوخ «وسار أخنوخ مع اللّه، ولم يكن بعد ذلك، لأنّ اللّه أخذه» (تكوين ٥: ٢٤) وإيليّا «وصعد ايليّا في العاصفة نحو السّماء» (٢ملوك ٢: ١-١٤).

التلميذ: كيف وصل اليهوديّ إلى الإيمان بالقيامة؟

المرشد: كان اعتقاد اليهوديّ بأن الموت هو نهاية الإنسان؛ وبأن الفرد لا أهمّيّة له بحدّ ذاته. سنة ٥٨٧ ق.م. برزت أهمّيّة الفرد في الوعي اليهوديّ أنّ كلّ إنسان مسؤول عن أعماله وأنّه سوف يؤدّي هو حسابًا عنها. ومن هنا برز الحديث عن قيامة الموتى. الحياة الأبديّة لم تكن تعني لليهوديّ شيئًا، الأولويّة كانت لخبرة حضور الله.