Article Listing

FacebookTwitterYoutube

Subscribe to RAIATI










Share

للمقبلين على سرّ الزواج المقدّس رجاءً مراجعة موقع:  wedding2

مركز القدّيس نيقولاوس للإعداد الزوجيّ

Home Raiati Bulletin Raiati Archives Raiati 2024 رعيتي العدد ٣٨: الإبحار إلى العمق وشروطه وثماره
رعيتي العدد ٣٨: الإبحار إلى العمق وشروطه وثماره Print Email
Written by Administrator   
Sunday, 22 September 2024 00:00
Share

رعيتي العدد ٣٨: الإبحار إلى العمق وشروطه وثماره
الأحد ٢٢ أيلول ٢٠٢٤ العدد ٣٨ 

الأحد ١٣ بعد العنصرة

اللحن ٤ - الإيوثينا ٢

الشهيد في الكهنة فوقا أُسقف سينوبي

 

كلمة الراعي

الإبحار إلى العمق وشروطه وثماره

رعيتي العدد ٣٨: الإبحار إلى العمق وشروطه وثماره على ضوء احتفالنا بعيد رفع الصليب، يأتي إنجيل دعوة التلاميذ اليوم ليُدخلنا في صلب تجسيد هذا الاحتفال في حياتنا والمتمثّل بسلوكنا طريق إنكار الذات وحمل الصليب واتّباع يسوع. دعوة يسوع لتلاميذه في بداءة كرازته العلنيّة ليصيروا صيّادي بشر تضعنا أمام التطبيق العمليّ لمسيرة التلاميذ في صَلب ذواتهم وحمل صليبهم واتّباعهم المصلوب. كيف جسّدوا إذًا هذه المسيرة وصلبوا ذواتهم؟

أوّلًا، بقطع مشيئتهم الذاتيّة، كلّ بمفرده وجميعهم سويّة. هذا عبّروا عنه بتحمّلهم التعب الجسديّ بأن يعيدوا الكرّة ويذهبوا للصيد، ومن ثمّ بتغلّبهم على التعب النفسيّ من جرّاء ما أصابهم من خيبة وإحباط في الليل، وأخيرًا بتعاونهم بعضهم مع البعض في إنجاز عمليّة صيد السمك. في هذا وجه من أوجه إنكار الذات.

ثانيًا، بإصغائهم إلى يسوع وطاعتهم لكلمته، الأمر الذي جسّدوه عندما طلب يسوع أن يستخدم مركبهم ليكرز للجموع، ومن ثمّ عندما طلب أن يُبحروا إلى العمق، وأخيرًا عندما أمرهم بأن يُلقوا شباكهم هناك. اختاروا أن يحملوا مشيئة الله ويعملوا على تحقيقها، وليس الركون إلى مشيئتهم واعتباراتهم المشروعة أو التذمّر ورفض الطلب. في هذا وجه من أوجه حمل الصليب.

ثالثًا، بإقرارهم بواقعهم الروحيّ واقتبالهم دعوة يسوع لهم، الأمر الذي جسّده بطرس الرسول باسم جماعة التلاميذ الذين معه، بعد أن انقشعت بصيرته الروحيّة، عندما اعترف بكونه رجلًا خاطئًا، ومن ثمّ عندما قَبِل دعوة يسوع أن يصير صيّادًا للناس. وهذا وجه من أوجه اتّباع يسوع.

أن تتْبع المسيح يعني أن تَصلب ذاتك من أجله بالعلاقة مع ذاتك وبالعلاقة مع العالم. بالفعل، في سعيه ليتبع المسيح، يواجه تلميذُ المسيح أوّلًا عالَـمه الداخليّ، أي مشيئته الذاتيّة، أهواءه، شهواته، جروحاته الداخليّة، خطاياه. وفي السياق عينه، يواجه عالَـمه الخارجيّ، أي علاقاته، وكلّ ما يرتبط بأحداث العالم وروحه. لذا، يسلّط على نفسه كلمة الله المحيية فتنير عليه اعتلاله الروحيّ والسبيل لبلوغه العافية الروحيّة، ويسلّطها أيضًا على محيطه فتنير عليه درب وضعها في سياق تدبير الله من أجل خلاصنا. هذا ما اتّضح لنا جليًّا في سلوك بطرس في حادثة الصيد الوفير وطاعته ليسوع، ومن ثمَّ في تركه كلّ شيء واتّباعه إيّاه صيّادًا للبشر.

لقد اختبر بطرسُ معنى الإبحار إلى العمق على مستوى صيد الأسماك، ثمّ اختبره على مستوى اقتدار الكلمة الإلهيّة والعمل بها، وأخيرًا على مستوى الكيان الداخليّ الذي يَرى ما لا يُرى: «اخرُجْ من سفينتي يا ربّ لأنّـي رجل خاطئ» (لوقا ٥: ٨). واتّضح لنا أنّ الإبحار إلى العمق هو صليب، فيه نكون مصلوبين عن العالم والعالم مصلوب لنا. هذا لكوننا وجدنا الصيد الثمين، يسوع نفسه، وثمار طاعته واتّباعه، وكيف يكوّننا هذا العثور على شخصيّتنا الروحيّة فنصير مرسَلين منه لنصطاد أترابنا بشباك الكلمة الإلهيّة إلى معرفة الله والإيمان به والعمل بوصيّته. 

مَن فقد شخصيّته الروحيّة بحسب الله، ثمّ عثر على يسوع، طلب استعادتها بإلحاح، لأنّ يسوع يُظهرها في كامل بهائها. فالإبحار إلى العمق في معرفة الذات للعثور على صورة الله فينا، والإبحار إلى العمق في معرفة الله، إنّـما يشكّلان وجهَين لحقيقة واحدة يجسّدها يسوع نفسه أمامنا ويقودنا فيها -إنْ آمنّا به وأطَعناه وتبعناه- حتّى تعثر شباكنا على الصيد الثمين، أي الروح القدس الذي يكشف لنا يسوع، ويرشدنا إلى كلّ الحقّ، ويطهّر نفوسنا من كلّ دنس، ويجذبنا إلى محبّة الله.

فرَحُ العثور على يسوع قاد بطرس والذين معه إلى أن يتركوا كلّ شيء ويتبعوا المسيح (لوقا ٥: ١١). هل يجذبنا يسوع بشباك محبّته وتواضعه وكلمته فنُبحر في عيشها ونَجذب سوانا معنا إليه؟ أم يجذبنا العالم بأهوائه وشهواته فنبقى على شاطئه نعلّل النفس بيوم أفضل لصيد وفير لا يأتي إن راوحنا مكاننا؟ ألا أَعطِنا يا ربّ أن نلبّي نداءك ونحذو حذو تلاميذك في اتّباعك.

+ سلوان
متروبوليت جبيل والبترون وما يليهما
(جبل لبنان)

 

الرسالة: ١كورنثوس ١٦: ١٣-٢٤

يا إخوة اسهروا، اثبتوا على الإيمان، كونوا رجالًا، تشدّدوا. ولتكن أموركم كلّها بالمحبّة، وأطلب اليكم أيها الإخوة بما أنّكم تعرفون بيت استفاناس، إنّه باكورةُ أخائية وقد خصّصوا أنفسهم لخدمة القدّيسين، أن تخضعوا أنتم أيضًـا لمثل هؤلاء ولكل من يُعاون ويتعب. إني فرح بحضور استفاناس وفُرتوناتُس وأخائكوس لأنّ نقصانكم هؤلاء قد جبروه فأراحوا روحي وأرواحكم. فاعرفوا مثل هؤلاء. تُسَلِّمُ عليكم كنائس آسية. يُسَلِّمُ عليكم في الربّ كثيرًا أكيلا وبْرِسكلة والكنيسةُ التي في بيتهما. يُسَلِّمُ عليكم جميعُ الإخوة. سلّموا بعضُكم على بعض بقبلةٍ مقدّسة. السلام بيدي أنا بولس. إن كان أحدٌ لا يُحبُّ ربّنا يسوع المسيح فليكن مفروزًا. ماران أَثا. نعمةُ ربّنا يسوع المسيح معكم. محبّتي مع جميعكم في المسيح يسوع، آمين.

 

الإنجيل: لوقا ٥: ١-١١

في ذلك الزمان فيما يسوع واقف عند بحيرة جنيسارت، رأى سفينتين واقفتين عند شاطئ البحيرة وقد انحدر منها الصيادون يغسلون الشباك. فدخل إحدى السفينتين وكانت لسمعان، وسأله ان يتباعد قليلًا عن البَر، وجلس يعلّم الجموع من السفينة. ولما فرغ من الكلام قال لسمعان: تَقَدَّمْ إلى العمق وأَلقُوا شباككم للصيد. فأجاب سمعان وقال له: يا معلّم إنّا قد تعبنا الليل كلّه ولم نُصب شيئا، ولكن بكلمتك أُلقي الشبكة. فلما فعلوا ذلك احتازوا من السمك شيئا كثيرا حتى تخرّقت شبكتهم. فأشاروا إلى شركائهم في السفينة الأخرى ان يأتوا ويعاونوهم. فأتوا وملأوا السفينتين حتى كادتا تغرقان. فلما رأى ذلك سمعان بطرس خرّ عند ركبتي يسوع قائلا: اخرُجْ عنّي يا رب فإني رجل خاطئ، لأن الانذهال اعتراه هو وكل من معه لصيد السمك الذي أصابوه، وكذلك يعقوب ويوحنا ابنا زبدى اللذان كانا رفيقين لسمعان. فقال يسوع لسمعان: لا تخَفْ فإنك من الآن تكون صائدًا للناس. فلما بلغوا بالسفينتين إلى البَرّ تركوا كل شيء وتبعوه.

 

الأهل ومسؤوليّة الحياة الروحيّة لدى الأولاد

في إحدى القرى، كان هناك طفل اسمه يوحنا يبلغ من العمر ١٠ سنوات. كان يوحنّا نشيطًا جدًا، ويحبّ أن يخدم في الهيكل في كنيسة الرعيّة، ويشارك في القدّاس كلّ أحد مع والدَيه المؤمنَين. وكان يشارك في فرق الطفولة في حركة الشبيبة الأرثوذكسيّة، ويتعلّم عن حياة المسيح والقدّيسين، وكيف أنّ المحبّة، محبّة الله ومحبّة القريب هي الأساس في كلّ شيء. ذات يوم، جاء إلى المدرسة ولدٌ جديد اسمه سليم. كان سليم من عائلة فقيرة، وثيابه قديمة، وكان يبدو عليه الحزن دائمًا. كان الأطفال الآخرون في المدرسة يسخرون منه ولا يرغبون في اللّعب معه. شعر يوحنّا بالحزن عندما رأى ما يحدث لسليم، فتذكّر ما تعلّمه في الكنيسة عن المحبّة والرحمة. في اليوم التالي، قرّر يوحنّا أن يقترب من سليم ويتحدّث معه. اكتشف أنّه ليس لديه أصدقاء، وأنّه يشعر بالوحدة والحزن بسبب الظروف التي يعيشها. عاد يوحنّا إلى المنزل وفكّر كثيرًا. ثم قرّر أن يقدّم هدية لسليم، ليس فقط ثيابًا جديدة أو طعامًا، بل شيئًا أكبر: الصداقة والمحبّة. في صباح اليوم التالي، دعا يوحنّا سليمًا للّعب معه ومع أصدقائه، وبدأ يحدّثهم عن أهميّة أن نحبّ بعضنا البعض كما علّمنا المسيح. ومع مرور الوقت، أصبح سليم جزءًا من مجموعة الأطفال، وبدأ يشعر بالسعادة لأوّل مرّة منذ فترة طويلة. لم يكن السبب في سعادة سليم هو الأشياء الماديّة، بل المحبّة التي أظهرها يوحنّا له. في أحد الأيّام، عندما سأل يوحنا مرشدَه في الكنيسة عن معنى المحبّة الحقيقيّة، أجاب المرشد: «المحبّة الحقيقيّة هي أن نعطي دون انتظار مقابل، وأن نرى الآخرين كما يراهم الله، كإخوة لنا في المسيح». كبر يوحنا وسليم معًا، وظلّت تلك اللحظة من الصداقة والمحبّة منارة لحياتهما الروحيّة. فهِم يوحنّا أنّ الحياة الروحيّة لا تُطبَّق إلا في العيش وفق تعاليم المسيح في كلّ يوم، ومحبّة الآخرين كما أحبّنا الله.

إنّ الحياة الروحيّة هي في عمق حياة الأولاد. فقد ثَبَت علميًّا أنّ هناك جزءًا محدّدًا من دماغ الإنسان يتفاعل خلال الصلاة في الكنيسة، وهذا التفاعل يلاحَظ عند الأولاد أيضًا. وبالتالي هناك بعدٌ روحيّ لدى الأولاد، وهذا يُساهم بشكل أساسيّ في تكوين شخصيّتهم، ونموّهم في القامة والنعمة. فالحياة الروحيّة لدى الأولاد تربط بين الفكر والنفس وأعضاء الجسد، وتعطيهم القدرة على التماس العلاقة مع الله المحبّ. 

كثيرون من الأهل يُهملون، عن قصد أو عن جهل، الناحية الروحيّة لدى الأولاد. والبعض يذهب أبعد من الإهمال، فيحرمون أولادهم من التربية المسيحيّة، وذلك حرصًا منهم على حرية أولادهم كما يدّعون! فيتركون لهم اختيار معتقَد يناسبهم عندما يكبرون! ولكن، أيّة حريّة نتكلّم عنها، فالطفل لم يكن قراره أن يأتي إلى الحياة، أو يذهب إلى المدرسة، أو يمارس الرياضة؟ الحبُّ هو الذي يدفعنا كأهل إلى فعل كلّ شيء يُنجّح أولادنا. إرشاد الأولاد لتنمية عقلهم وجسمهم، كلّها قرارات نتّخذها، نحن الأهل، بدافع محبّتنا لأولادنا. فهل يجوز حرمان أولادنا من النموّ الروحيّ أيضًا بسبب حرصنا على حرّيتهم؟

لقد وعت الكنيسة أهميّة هذا البُعد الروحيّ للأولاد الذين يجب أن ينموا في المسيح. فالطفل يُعمَّد في سنٍّ مبكّرة، وليس شرطًا أن يفهم أوّلًا الإيمان لكي يعتمِد، بل أن ينمو في الإيمان كما ينمو جسديًّا وفكريًّا. نموّ الروح لا يؤجَّل إلى مرحلة النضوج الفكريّ. وفي غياب الاهتمام بالروح، تنمو الروح على الطبيعة، أو تكون في فراغ داخليّ، ويمكن أن تنمو ضدّ الله. على الأهل أن ينقلوا خبرتهم الروحيّة إلى أولادهم، لتتكوّن عندهم علاقة شخصيّة دائمة مع الله من خلال الصلاة وقراءة الكتب المقدّسة، والعيش في الكنيسة من خلال تشجيعهم على المشاركة في الأنشطة الكنسيّة، ليتمكّنوا من مواجهة التحدّيات الأخلاقيّة والاجتماعيّة التي قد تعترضهم في مراحل لاحقة من حياتهم.

البعض يعتقد أنّه يتمّم «واجباته الدينيّة» تجاه أولاده بتعميدهم وحسب. ويردّدون أنّ التربية الدينيّة هي شأن الكاهن والكنيسة. هذا خطأ، لأنّ التربيّة الروحيّة التي تُمنح خارج العائلة هي تربية تكميليّة. واقعيًّا، لا يمكن للكاهن أن يحتلّ مكانة الأهل في التربية المسيحيّة. الكاهن يرى الطفل ربّما بنسبة ٢٪ من الوقت في الأسبوع بينما يكون الأهل مع الطفل بنسبة ٩٨٪ من الوقت. لذا فإنّه من الطبيعيّ أن يسعى الأهل إلى منح أولادهم تربية متكاملة تشمل الجسد والنفس والروح. الله لن يحاسبنا على عدد أولادنا، بل سيسألنا: هل نما هذا الولد بالإيمان بالمخلّص الوحيد الذي عُلِّق من أجله على الصليب وقام في اليوم الثالث وأقامه إلى حياة أبديّة؟ هل نما هذا الولد بالمحبّة التي علّمنا إيّاها الله الآب، الذي أحَبّ العالم حتّى بذل ابنه الوحيد؟ إنّ خدمة المعموديّة تضع الأهل والعرّابين أمام مسؤوليّة التربية المسيحيّة لطفلهم المعمَّد، وواجب العمل على أن ينمو الولد في المسيح، ويتقدّس بنعمة الروح القدس الحالّ فيه بسرّ الميرون.

 

من تعليمنا الأرثوذكسيّ:

شخصيّات من الكتاب المقدس (يونان النبيّ)

التلميذ: مَن هو النبيّ يونان؟

المرشد: تعيّد الكنيسة الأرثوذكسيّة ليونان النبيّ في ٢١ أيلول. وهو يونان الذي يتحدّث عنه السِفر المعروف باسمه. يقع سفر يونان في الكتاب المقدَّس خامسًا بين الأنبياء الاثني عشر الصغار، ويحتوي على أربعة إصحاحات قصيرة مكتوبة بشكل قصّة شيّقة تروي علاقة يونان مع الله ورسالته بين الوثنيّين في نينوى عاصمة بلاد بابل في ذلك الوقت (العراق حاليًّا). يرتبط السفر بالنبيّ يونان بن أمتاي الذي ورد ذِكره في الملوك الثاني (١٤: ٢٥) وكان معروفًا بروحه القوميّة المتطرّفة وبانغلاقه على فكرة «أرض الميعاد». يونان هو شخصيّة نموذجيّة تمثّل مجموعة من الناس يعانون من سؤال يحملونه في أعماقهم في زمن يطلب الله منهم أن يتذكّروا محبّته ورحمته التي قال بها الأنبياء وأن لا يجعلوهما على قياسهم وبحسب ما يوافقهم.

التلميذ: ما مضمون السِفر، وماذا نتعلّم منه؟

المرشد: في الاصحاح الأوّل نجد يونان هاربًا على مركب من الرسالة التي أوَكَلها الله اليه يواجه العاصفة البحريّة ويبدو البحارة الوثنيّون أشدّ تديّنًا منه. في الاصحاح الثاني ينجو يونان من جوف الحوت بعد ثلاثة أيام ويصلّي من المزامير ويقتنع بمهمّته. في الاصحاح الثالث يبشِّر أهلَ نينوى فيؤمنون بالله ويتوبون عن شرورهم فيغفر الله لهم. في الاصحاح الرابع نجد يونان غاضبًا لأنّ الله تحنّن على أهل نينوى الوثنيّين فيعلّمه الله بطريقة تربويّة مصوّرة أنّ الخلاص لكلّ البشر وليس محصورًا في إسرائيل. نستخلص من هذه القصّة تعليمَين: معاناة النبيّ عندما يختاره الله ويُخضعه للامتحان وهو يخشى أن يُعلِّم تعليمًا مخالفًا للمُعتقَد السائد، كما تُعلّمنا القصّة أيضًا أنّ اللهَ رحيم ورؤوف يحبّ شعبه المؤمن ويحبّ الوثنيّين أيضًا ويسعى إلى خلاصهم. الخلاص شامل لكلّ البشر وليس محصورًا في اليهود.

التلميذ: إلامَ تشير قصة يونان النبيّ في تدبير الله؟

المرشد: يُطلّ الله في سفر يونان ويطلب إلى نبيِّه أن يذهب إلى نينوى وهي المدينة التي اضطَهدت شعبه ومرمرته. يرفض يونان دعوة الله ويتمرّد عليه، لأنّ الله يطلب إليه أن يعمل ما يعاكس اللاهوت الرسميّ الذي كان يعتقد به يهود تلك الأيّام. كاتب سِفر يونان هو إنسان ملهَم من الله، يأتي من الوحي القديم ويَعتبر أنّ الكون كلّه هو أرض الميعاد الحقيقيّة، وهذا ما يكسر كلّ الذهنيّة المتحجّرة التي لا علاقة للإله الحقيقيّ بتصوّراتها وتحديداتها، فيتجاهل (أي الكتاب) مثلًا امتيازات سكّان أورشليم فلا يذكُر مدينتهم ولا يهوذا، ويُظهر أنّ خلاص نينوى وخلاص إسرائيل هما في نظر الله رسالة واحدة. يونان -الذي هو صورة المؤمن المتعصّب الذي لا يطيق ما يطلبه الله منه- يحاول أن يهرب من وجه الله لأنّ خلاص الوثنيّين لا يعني له شيئًا.

التلميذ: كيف يمسّنا هذا السفر؟

المرشد: مأساة يونان هي مأساة إنسان في صراع مع نفسه ومع العالم. فبينما يعترف بأنّه مؤمن بالله إله إسرائيل، يهرب من أمام وجهه متناسيًّا أنّه يتمرّد عليه. وتاليًّا فإنّ خطأ يونان -وبيئتِه- لا يقوم على مواقفه الخارجيّة من الله وإنّما على علاقته بالله نفسه وحقيقة معرفته له. فهو (أي يونان) لا يريد اللهَ كما الله يعرِّف عن نفسه، ولكن كما يريد إسرائيل الخاطئ أن يكون. فهو وإن كان يعترف بأنّ الله إله الآباء هو «إله رؤوف ورحيم» (يونان ٤: ٢) إلّا أنّه لا يريد -مطلقًا- أن تطال رحمتُه أعداءَ إسرائيل أو تتجاوز محبّته حدود إسرائيل. مشكلة يونان لا بل مشكلة العالم وأغلب المسيحيّين اليوم أنّهم لا يصدّقون أنّ «الله محبّة»، هو هذه المحبّة المصلوبة التي «لا تطلب ما لنفسها» والتي تنتظر «من بعيد» دائمًا عودة الخاطئ إلى أن يرجع، هي محبّة مجانيّة ولكنّها أيضًا مخلِّصة لأنّها تريد جميع الناس أن يُقبِلوا إلى «معرفة الحقّ». إذا قرأنا سِفر يونان فلنذكرْ أنّ الله لا يريدنا أن نتعامل مع إلهٍ مِن اختراعنا نحن وأن نتقبَّل اللهَ على فرادته ولو كانت مشيئته تختلف عن مشيئتنا.

Last Updated on Thursday, 19 September 2024 08:54
 
Banner