Share تصدرها أبرشيـة جبيـل والبتـرون للـروم الأرثـوذكـس الأحد 27 كانون الأول 2009 العدد 52 الأحد بعد الميلاد-أحد القديس يوسف الخطيب القديس استفانُس أوّل الشهداء/القديس ثيوذوروس المعترف رَعيّـتي
كلمة الراعي
شهادة استفانُس اليوم عيده، وهو أحد السبعة الذين اختارهم الرسل وفرّغوهم ليهتمّوا بإعاشة الأرامل حتى ينصرف الرسل الى الصلاة وخدمة الكلمة. واحد من هؤلاء السبعة كان استفانُس يُجادله اليهود الذين صارت لغتهم اليونانية لأنهم سكنوا المهاجر، وعندما كانوا يحجّون الى اورشليم في العيد كانوا يجتمعون في مجامع للجاليات المختلفة التي لا تتكلم لغة أهل فلسطين. برز استفانُس يُحاجّ بقوةٍ هؤلاء الذين بقوا على اليهودية، فلم يستطيعوا أن يقاموا الكلمة والروح الذي كان ينطق بها، فافتروا عليه مدّعين أنه يجدّف على موسى. حصل هياج كانت نتيجته أنهم اختطفوا هذا الرجل وأتوا به الى السنهدريم او محفل الكهنة، فألقى عليهم خطابًا أودى الى موته. أخذ يتكلّم على إبراهيم وخروجه من حاران الى أرض الموعد وبناء سليمان للهيكل. هذا الكلام كان معقولا لديهم لأنه مبنيّ على كـتــابـهـم، حـتى وصـل الـى قـولـه "يـا غـيـر المخـتـونـيـن بالقلوب والآذان. إنكم تُقاوِمون الروح القدس دائما كما كان آباؤكم". هذه كلّها كلمات من وحي أنبيائهم، ولكنهم أبَوا أن يُحسّوا بها منطبقة عليهم. "أخذتم الناموس ولم تحفظوه" كلام صعب سماعه. بعد إلقائه هذا الخطاب "تفرّسَ في السماء فرأى مجدَ الله ويسوعَ قائما عن يمين الله". لما كشف لهم هذه الرؤية، لم يُطيقوا استماعها اذ لم يكونوا يؤمنون أن المسيح جالس عن يمين الآب. عند ذاك، أخرجوه خارج المدينة ليقتلوه حسب ناموسهم. والقتل في حال التجديف (اي ما ظنّوه تجديفا) يتمّ بالرجم. "ووضع الشهود ثيابهم لدى شاب اسمه شاول" وهو الذي صار بولس الرسول. هذا طبعا كان راضيا بقلته. وفيما كان استفانُس يتلقّى الحجارة عليه، كان "يدعو ويقول ايها الرب يسوع المسيح اقبلْ روحي". هذا كلام صدى لقول السيّد على الصليب: "يا أبتاه في يديك أستودع روحي" (لوقا 46:23). هنا يشهد استفانُس أنه يستودع روحه في يدَي المخلّص كما استودعها المخلّص في يدي أبيه. في نهاية نزاعه، قال أوّل الشهداء، وكذا وصفه في الكنيسة، قال: "يا رب لا تُقم عليهم هذه الخطيئة". هذا صدى لقول يسوع على الصليب: "يا أبتاه اغفرْ لهم لأنهم لا يعلمون ماذا يفعلون" (لوقا 34:23). لقد أراد لوقا أن يُبيّن أن حياة يسوع تتصوّر في أحبائه. يغفرون لأنه غفر. يحبّون لأنه أحبّ. القديسون صورة عن المسيح. يقول سِفْر الأعمال عن استفانُس إنه رقد، وما قال إنه مات لأننا أبناء القيامة. أيقونته تُصوّره لابسًا ثياب الشمّاس وحاملا مبخرة مثله لأن الكثيرين من آبائنا قالوا إن هؤلاء السبعة الذين عيّنهم الرسل خُدّاما للموائد جعلوهم شمامسة. جاورجيوس مطران جبيل والبترون وما يليهما (جبل لبنان).
الرسالة: أعمال الرسل 8:6-5:7 و 47-59 في تلك الأيام اذ كان استفانس مملوءًا ايمانا وقوّة كان يصنع عجائب وآياتٍ عظيمة في الشعب. فنهض قومٌ من الجمع الملقّب بمجمع اللبرتيين والقيراونيين والاسكندريين والذين من كيليكية وآسية يُباحثون استفانس. فلم يستطيعوا أن يقاوموا الحكمة والروح الذي كان ينطق به. حينئذ دسّوا رجالا يقولون إننا سمعناه ينطق بكلمات تجديف على موسى وعلى الله. وهيّجوا الشعب والشيوخ والكتبة معا. فنهضوا واختطفوه وأتَوا به الى المحفل. وأقاموا شهود زور يقولون ان هذا الإنسان لا يفتُر عن أن ينطق بكلمات تجديف على هذا المكان المقدّس والناموس، فإننا سمعناه يقول إن يسوع الناصري هذا سينقُض هذا المكان ويُبدّل السنن التي سلّمها الينا موسى. فتفرّس فيه جميع الجالسين في المحفل فرأوا وجهه كأنه وجه ملاك. فقال رئيس الكهنة أتُرى هذه الأمور هكذا؟ فقال ايها الرجال الإخوة والآباء اسمعوا. إنّ إله المجد تراءى لأبينا إبراهيم وهو في ما بين النهرين من قبْل أن سكن في حاران، وقال له اخرجْ من أرضك ومن عشيرتك وهلمّ الى الأرض التي أُريك. حينئذ خرج من أرض الكلدانيين وسكن في حاران. ومن هناك نقله بعد وفاة أبيه الى هذه الأرض التي أنتم الآن ساكنون فيها، ولم يعطه فيها ميراثا ولا موطئ قدم. ثم إنّ سليمان بنى له بيتًا، لكنّ العليّ لا يسكن في هياكل مصنوعات الأيادي، كما يقول النبيّ: السماء عرش لي والأرض موطئ قدميّ. فأيّ بيت تبنون لي يقول الرب أم أيّ موضع يكون لراحتي؟ أليست يدي هي صنعت هذه الأشياء كلّها؟ يا قساة الرقاب وغير المختونين بالقلوب والآذان. إنكم تُقاومون الروح القدس دائما. كما كان آباؤكم كذلك أنتم. أيّ الأنبياء لم يضطهده آباؤكم؟ وقد قتلوا الذين سبقوا فأنبأوا بمجيء الصدّيق الذي صرتم انتم الآن مسلّميه وقاتليه. انتم الذين أخذتم الناموس بترتيب الملائكة ولم تحفظوه. فلمّا سمعوا ذلك تمزّقوا في قلوبهم وصرفوا عليه بأسنانهم. وهو إذ كان ممتلئًا من الروح القدس، تفرّس في السماء فرأى مجد الله ويسوع قائما عن يمين الله، فقال ها أنذا أرى السماوات مفتوحة وابنَ البشر قائما عن يمين الله. فصرخوا بصوت عظيم وسدّوا آذانهم وهجموا عليه بعزمٍ واحد، وأخرجوه خارج المدينة وجعلوا يرجمونه. ووضع الشهود ثيابهم لدى قـدمَـي شـابٍ اسـمُـه شـاول، وجـعـوا يُرجمون استفانُس، وهو يدعو ويقول: ايها الرب يسوع المسيح اقبَلْ روحي. ثم جثا على ركبتيه، وصرخ بصوت عظيم: يا ربّ لا تُقِمْ عليهم هذه الخطيئة. ولما قال هذا، رقد.
الإنجيل: متى 13:2-23 لـمّــا انصرف الـمجوس، اذا بملاك الـرب ظهر ليوسف في الحلـم قائلا: قم فخُذِ الصبيّ وأمه واهـرُبْ إلى مصر، وكُنْ هنـاك حتى أقـول لـك، فإن هيرودس مزمع أن يطـلب الصبيّ ليُهلكـه. فقام وأخذ الصبيّ وأمـه ليلا، وانصرف إلى مصر. وكان هناك إلى وفاة هيرودس ليتمّ الـمـقول من الرب بالنبيّ القائـل: مِن مصر دعوتُ ابني. حينئذ لـما رأى هيرودس أن الـمجوس سخِـروا بـه، غضب جدا وأرسل فقتـل كل صبيان بيت لحم وجميع تخومها من ابن سنتين فما دون على حسب الزمان الذي تحقّقـه من الـمجوس. حينئذ تـمّ ما قالـه إرمياء النبي القائـل: صوتٌ سُمع في الرامـة، نَوح وبكاء وعويل كثير، راحيـل تبكي على أولادها وقد أبتْ أن تتعزى لأنهم ليسوا بموجودين. فلما مات هيرودس، اذا بملاك الـرب ظهر ليوسف في الحلـم في مصر قائلا: قـم فخُـذ الصبيّ وأمــه واذهب إلى أرض إسرائيـل فقد مات طالبو نفس الصبي. فقام واخذ الصبيّ وأمـه وجاء إلى أرض إسرائيـل. ولـمـا سمع أن أرشيلاوس قد ملـك على اليهوديـة مكان هيرودس أبيـه، خاف أن يذهـب إلى هنـاك، وأوحي اليـه في الحلم فانصرف إلى نواحي الجليـل، وأتى وسكـن في مدينـةٍ تُدعى ناصرة ليتـم الـمـقول بالأنبياء إنـه يُدعى ناصريا.
ضوء من جرأة بطرس بعد أن أبى شابّ غنيّ أن يَقبل دعوة الربّ إلى أن يترك كلّ شيء ويتبعه، ينبري بطرس، بجرأةٍ، ويقول ليسوع: "ها قد تركنا نحن (أي هو وأصحابه) كلّ شيء، وتبعناك" (مرقس 10: 28). هذه المقدّمة السريعة لا تسمح لنا بأن نعتقد أنّ بطرس يقابل، في ما قاله، بين مَنْ يرفضون دعوة الربّ يسوع (أي ذلك الشابّ الغنيّ وَمَنْ يُشبهونه أمسِ واليوم وغدًا) وبين التلاميذ الذين قبلوها، وسيقبلونها في غيـر جـيـل. فبطرس يــعرف أنّ الربّ هـو مَنْ يقرّر، وحده، مصير الناس في هذا الوجود وفي الوجود الآتي. بلى، يجب أن نقرأ قوله على أنّه يشهد لما جرى معه ومع رفاقه. وبلى، على أنّه يعتبر أنّ قبولنا أن نتبع المعلّم هو معنى وجودنا أبدًا. ولكنّنا لا نقدر، موضعيًّا، على أن نعتبره يقابل بين رافض وراضٍ، أي يُزيح الربّ، ويختلس موقعه. قلنا يشهد. وهذه شهادة يُعوز الناس، في غير جيل، أن يسمعوها من أفواهٍ حرّرها الرضا. فالمؤمنون شأنهم أن يتقوّوا بعضهم ببعض، ولا سيّما بالأقوياء في الجماعة. ففي الجماعة، ثمّة ضعفاء وثمّة أقوياء دائمًا. وحال القويّ، كما حال الضعيف، معروض علينا. وشأننا أن نختار، من دون أيّ إدانة، مع مَنْ نودّ أن نكون. وإنْ حلا لنا أن نعتبر أنّ ما قاله بطرس يكشف لنا أنّ الربّ لا يفشل في دعوته الناس (فثمّة مَنْ يقبلون دعوته دائمًا)، فهذه حلاوة يُشرّعها معنى قوله. فمن أهداف ما قاله أن يشهد لنا أنّ الربّ له نجاحاته الظاهرة. ويريدنا أن نبيِّن نحن نجاحه في قبولنا دعوته، أي في أن نختاره سيّدًا وحيدًا لحياتنا. فبطرس، بما قاله، يعرض علينا ما يجب أن يكون حالنا أيضًا. يرجو بخفر، وإنّما بجرأة، أن نقتبس الطيْب الذي تضوّع من فمه. يريد أن يربحنا لمسيحه. يريدنا أن نجترئ مثله، ولا سيّما في هذه الأزمنة المريرة التي رفضُ الربّ عنوانٌ بارزٌ من عناوينها. يُعلّمنا أن نُبعد قلوبنا عن كلّ جوّ مريض يريد أن يوهمنا بأنّه شيء، بأنّه الأنجع. ينبّهنا بأن ما نراه من رفضٍ ليس هو حال الدنيا كلّها. فثمّة مَنْ يقبلون الربّ. ثمّة كثيرون. ثمّة، دائمًا، سبعة آلاف، كلّ ركبة لم تجث لبعل (1ملوك 19: 18). يريدنا أن نفتّش عنهم، ونجدهم، ونندمج فيهم، ونتقوّى بهم. إنّه كما لو أنّه يقول لنا: يجب أن تكون لكم مع الربّ جلسات ودّ تكشفون له فيها مكنونات قلوبكم. فالربّ دعاكم، أنتم أيضًا، إلى أن تتبعوه. لا ترفضوا دعوته. إيّاكم أن تعذروا أنفسكم بعُذر، ولا سيّما أن تُعلّوا الدنيا على محبّته. فالدنيا فانية. أمّا أنتم، فكونوا أحرارًا دائمًا، وتعلّموا من جماعة الرسل، ومن كلّ حرّ في الأرض، أن ترتضوا، بثقة ظاهرة، دعوة الخلاص المقبولة. ثمّ يعرف قرّاء العهد الجديد أنّ عبارة بطرس هي العبارة التي وصف الإنجيليّون بها ما جرى مع التلاميذ إثر دعوتهم. وإذًا، قال بطرس قول الكتب الجديدة. قرأها أمامنا. قرأها علينا. اختار أن يردّد المكتوب، لنتّكئ على المكتوب، نقرأه، ونتغذّى به، ونردّده في سرّ قلوبنا وأمام الملأ. اختاره، ليعلّمنا أن نقول، نحن أيضًا، للربّ ما قاله كتابه ذاته. لا نريد أن نفترض. لكن، كان من الممكن أن يقول بطرس أيّ شيء آخر. إلاّ أنّه اختار ضوء المحبّة الأولى. وهذا يجب أن يعني لنا أنّ الربّ يدعونا إلى أن نبقى أمامه جددًا دائمًا. إنجيل الربّ تجدّدُنا طاعتُهُ. فـ"ها قد تركنا نحن كلّ شيء، وتبعناك"، عبارة الضوء التي تردّنا إلى بحر الجليل، حيث كان يسوع يفتّش عَمَّنْ يدعوهم إلى أن يخدموا كلمته. نقرأها، الآن، بعد أن مضى وقت عليها. نقرأها الآن، لنُدرك أنّ الوقت لم يمضِ علينا. نقرأها الآن، لندرك أن الفرصة ما زالت سانحةً، لنا. نقرأها الآن، لنتوق إلى أن نشبه ما جرى. فيسوع ما زال يمشي على شاطئ بحر حياتنا يفتّش عَمَّنْ يتبعونه، يفتّش عنّا. ما زال بوسعنا أن نترك مشاغلنا التافهة وكلّ ما يُعيقنا عن أن نتبعه. أن نترك كلّ شيء، أي أن نربط حياتنا به. ما هذا الذي خرج من فمك، يا بطرس. ما أحلاه، وما أغلاه. كيف نحوز نحن جرأتك؟ لقد تركت كلّ شيء فعلاً. تركْت الدنيا وكلّ ما يلمع فيها. رأيت أنّ الربّ هو دنياك الجديدة. وتبعته منذ أن رمى شباكه عليك. كنت تصيد، واصطادك. وها أنت تشهد، أمامنا، أنّ ما فعلته قناعة فيك راسخة. فما قلته، لم تقُلْه من باب التفاخر. فما قلته، لم يكن هدفه أن تدِين أحدًا. ما قلته، يدلّ على وعيك أنّ الربّ رحِمَك بدعوته. وما قلته، يدلّ على ثباتك. ساعدْنا على أن نقبل الدعوة دائمًا، ونثْبُت فيها. ساعدْنا على أن نرتضيها، نحن أيضًا، دنيانا الجديدة. لقد أدهشنا ما قلته. فكيف نبقى في دهش؟ قل لنا، لا بل قل لربّك أن يضع على أفواهنا كلّ ما يرضيه. علّمنا أن نردّد كلمته. فأنت ضليع من الترداد. علّمنا أن ننسى كلّ كلمات الأرض، ونحفظ الكلمة التي تجعلنا ذوي شأن في عيني الله. يا بطرس، بكلمات وجيزة، كشفت أنّ كلّ كلمات الأرض تافهة. إن رأيتنا غير جديرين بأن نفعل، فلا تأخذ في الاعتبار عدم جدارتنا. إن رأيتنا غير جديرين، فأنت أضئنا بفمك. تعال إلينا، وطُف بنا بكلمات من نور تنقذ قلوبنا من ظلمة الأرض. طُف بنا، وقل. تزعّمنا، وقل. فنحن نريد أن نستتر بكلمات الجرأة التي أنت خبير فيها. أمامك، سنصمت. ونحن على يقين أنّ الربّ سيسمعك، وسيعتبر أنّنا موافقون على كلّ ما تقوله.
"سنُعرف من ثمارنا" في طريقه بحرًا الى رومية ليُقتل فيها شهيدا بين مخالب الوحوش، كتب القديس إغناطيوس الأنطاكي سبع رسائل هامّة الى الكنائس. إليكم مقطعًا من الرسالة الى أفسس: "اجتهدوا أن تجتمعوا دائما لترفعوا الشكر والتسبيح لله، لأنكم إن اجتمعتم مرارا تضمحلّ قوى الشيطان وتنحلّ أعماله التخريبية أمام اتّفاق إيمانكم. لا شيء يفوق السلام لأنه ينتصر على هجمات الأعداء المنظورين وغير المنظورين. لا شيء من هذا يخفى عنكم إذا كان إيمانكم بيسوع المسيح كاملا ومحبتكم له تامة. الإيمان والمحبة هما بدء الحياة ونهايتها. الإيمان هو البدء، والمحبة هي المنتهى، والاثنان معا هما الله. وكل الفضائل الأخرى التي تقود الى الكمال تأتي من هاتين. من يعترف بإيمانه لا يخطئ، ومن يحب لا يمكن أن يكره. "الشجرة تُعرف من ثمارها" (متى 12: 33)، لأن العمل المطلوب منا اليوم ليس مجرّد اعتراف بالإيمان بل عيش الإيمان وممارسته عمليّا حتى النهاية.
|