Article Listing

FacebookTwitterYoutube

Subscribe to RAIATI










Share

للمقبلين على سرّ الزواج المقدّس رجاءً مراجعة موقع:  wedding2

مركز القدّيس نيقولاوس للإعداد الزوجيّ

Home Raiati Bulletin Raiati Archives Raiati 2011 العدد 10: أحد الغفران
العدد 10: أحد الغفران Print Email
Sunday, 06 March 2011 00:00
Share

تصدرها أبرشيـة جبيـل والبتـرون للـروم الأرثـوذكـس

الأحد 6 آذار 2011 العدد 10    

أحد الغفران (مرفع الجبن)

رَعيّـتي

كلمة الراعي

أحد الغفران

غـدًا الاثـنيـن نـرجـو اللـه أن يـُدخـلنـا الصيام بنعمته إذ لا يصوم الإنسان إلا بقـوّتـهـا فيـذكّــرنــا بـولـس بـأن “قـد تنـاهـى اللـيل واقتـرب النهـار”. النـور فـي أسـابيـع الجهـاد الآتي سينسكـب علينـا ونسيـر خطـوة خطـوة الى ضيـاء الفصـح ونـتـجـلّى بالـرضـاء فـي حضرة اللـه. فـي الـرسـالـة يـدعـونا بـولـس الى مكـافـحـة الشـهوات المـؤذيـة، وفـي الإنـجـيـل حـديـث أول عـن الغـفـران وحـديـث آخـر عـن مكـافحـة شهـوة المـال الـرهيـبـة.


لمـاذا الكـلام عــن الغـفـران؟ لأنـك تصـوم مـع الآخر ومـن أجـل الآخـر. ليـس مـوضوع الصيـام فــي حـقيـقـتـه أن تـأكـل أو لا تـأكـل. المـوضـوع أن تحـب. دائما الآخر قبلك. انت متطهّـر من أجـلـه. فـإذا أنت غـفـرت لـه مـا أسـاء إليـك ينـدفـع الـى مـحبـة الـرب لـه فيقبل الرب وربما يقبلك ايضا في غـفـران مـماثـل. مـرادك أن تشـفـي الـذي أســاء الـيـك وألا تـنـتقـم.

إن أسـاء إليـك أخـوك يـكـون مـنـتقـما لإساءة أصابـته. يـحـسّ أنـه يـدفع عـن نـفسه جـرحـا جرحـه. إذا لم تـغـفـر للآخـر تـكـون حـافـظا عـليـه شـرّه ومـتـمسـّكـا بكبـريـائـك المـصـدومـة. امـا إذا غـفـرت تكـون قد تجاوزت هـذه الصـدمـة. اتـرك كـل شـيء لله فهـو يشــفـيــك ويـشـفـي الآخـر.

هـكذا تكون حرا من نفسك ومن وطأة البغـض عليـك. كـذلـك أنـت حـُرّ مـن صومـك اذ لا يـنـبـغـي أن تُحـسّ أنـك كسبـت على الله حقا يسجـّلـه لصالحـك. لذلـك يقـول لـك السيـد: “إذا صُمت فـادهـن رأســك واغسـل وجـهـك لئـلا تـظهـر للـناس صائمـا بـل لأبيك الـذي في الخفيـة وأبـوك الـذي فـي الخـفـيـة يجـازيـك عـلانـيـة”. العـلاقـة بـينـك وبين اللـه كلهـا فـي القلب وفيه بدايات السماوات، والعالم الخارجي السطـحـي ليـس بشـيء. الإمسـاك مجـرّد تـرويـض لنـفـس تطـلـب وحـدتـهـا مـع الـرب.

الوحـدة العـمـيقـة مـع الـرب يـرى إنجيـل متى أنها الحرية من وطأة المال علينا اذ يقول: “لا تـكنـزوا لكـم كنـوزا عـلى الأرض... لكـن اكنـزوا لكـم كنوزا في السماء”. لا شيء يجرّدنا من حريـتنـا الـداخـليـة كما يجـرّدنـا المـال: الطـعـام ايضا يـمـلـكنـا حتى الاستـعـبـاد. مـاذا يـنـفـعـك الصيــام اذا استـولـت عليـك شهـوة المـُلـك؟

ويـنتـهي الفصل الإنـجيلي بقول يسوع: “حيث تكـون كنـوزكـم هنـاك تكـون قـلـوبكـم”. سيـادة الـلـه على القلب لا تـتّـفـق مع سيادة المال عليه. اسعَ اذًا ألاّ يـكون كنـزُك في المال اذ يـكون عنـدئــذ سيـدا على قـلـبـك.

ادخـُلْ اذًا صيـامـك ولا تـشبـع لأن الطعـام ولو صياميا لا يكون حياتك. العفة هي قناعتك أنه يُستغـنـى عـن كـل شيء. التحـرر مـن كـل مـا تحـسبـه ضـروريـا هـو الخطوة الأولى الى صعـودك سُلّـم الفـضائـل. اذ ذاك، تكــون قـد قبـلت سيـادة الله عليـك. صلِّ كثيـرا حـتى لا يسيـطـر عليـك شـيء. هـذا أول تمـرين لـك فـي هـذا الصيـام العـظيـم.

جاورجيوس مطران جبيل والبترون وما يليهما (جبل لبنان).


الرسالة: رومية 11:13-4:14

يا إخـوة إن خلاصنا الآن أقـرب مما كـان حين آمنّا. قد تناهى الليل واقتـرب النهـار فلندعْ عنّا أعمال الظلمة ونلـبس أسلحـة النـور. لنسلكـنّ سلـوكـا لائقـا كما في النهـار، لا بالقصـوف والسِّكـر ولا بالمضاجع والعهـر ولا بالخصام والحسد، بل البسوا الرب يسوع المسيح ولا تهتمـّوا بأجسـادكـم لقضـاء شهـواتها. من كـان ضعيفـا في الإيمـان فاتّخـذوه بغيـر مباحثـة في الآراء. من النـاس من يعتقـد أن لـه أن يأكـل كـل شيء، أمـا الضعيـف فيـأكل بقولا. فلا يزدرِ الذي يأكـل من لا يأكل، ولا يدنِ الذي لا يأكـل مـن يأكل، فإن الـله قد اتخذه. من أنت يا مـن تدين عبدًا أجنبيًّا؟ إنه لمولاه يثبت أو يسقط، لكنّه سيثبَّت لأنّ الله قادر أن يثبّتـه.

الإنجيل: متى 14:6-21

قـال الـرب: إن غفـرتم للنـاس زلاتهـم يغـفر لكم أبوكـم السماوي أيضًا، وإن لم تغـفـروا للنـاس زلاتهم فأبوكم أيضًا لا يغفر لكم زلاتكم. ومتى صمتم فلا تكـونـوا معبّسيـن كالمـرائىـن فإنّهـم يُنكـّرون وجـوههم ليظهـروا للناس صائمين. الحـق أقـول لكـم إنّهم قد استوفـوا أجرهم. أما أنت فإذا صُمْـتَ فادهن رأسـك واغسل وجهـك لئلا تظهـر للناس صائما بل لأبيـك الذي فـي الخفيـة، وأبـوك الذي يـرى في الخـفـية يُجـازيـك علانيـة. لا تكنـزوا لكم كنـوزًا على الأرض حيـث يُفسـد السـوس والآكلـة وينقـب السارقون ويسرقـون، لكـن اكنـزوا لكـم كنـوزًا فـي السمـاء حيث لا يُفسـد سـوس ولا آكلـة ولا ينقـب السارقـون ولا يسرقـون، لأنّه حيـث تكـون كنـوزكم هناك تكـون قلـوبكم.

شرط الغفران

بداية الإنجيل الذي تقرأه الكنيسة اليوم لمناسبة أحد مرفع الجبن المعروف باسم أحد الغفران تأتي مباشرة في إنجيل القدّيس متّى الرسول بعد الصلاة الربّانيّة. فكأنّها خلاصة تلك الصلاة التأسيسيّة، وعبرة يتّخذها المؤمنون قاعدةً في حياتهم اليوميّة وفي علاقاتهم مع أبناء بيئتهم الأقربين. وهذه البداية ليست سوى طريقة أخرى لقول الربّ يسوع في صلاته التي أوصى تلاميذه، ونحن من بعدهم، بتلاوتها: "واترك لنا ما علينا كما نترك نحن لـمَن لنا عليه".

يقول القدّيس كبريانوس أسقف قرطاجة (+258): "كم هو ضروريّ وحسن وملائم لنا أن نُذكَّر بأنّنا خاطئون، وكم ينبغي أن نطلب غفران خطايانا. وفيما نطلب الغفران من الله، يجب أن تبقى عقولنا مدركة تلك الخطايا، خشية أن يصبح المرء منّا راضيًا عن نفسه ويلاقي مصير الإطراء الذاتي". هنا يستند كبريانوس إلى قول القدّيس يوحنّا الرسول في رسالته الأولى ليحثّ سامعيه على الإقرار بأنّهم خاطئون: "إذا زعمنا أنّنا بلا خطيئة خدعنا أنفسنا ولم نكن على الحقّ. وإذا اعترفنا بخطايانا فإنّه أمين عادل يغفر لنا خطايانا ويطهّرنا من كلّ إثم" (الآيتان 8 و9).

ويتابع كبريانوس كلامه على الغفران مشجّعًا المؤمنين بقوله: "فهو الذي علّمنا أن نطلب الغفران عن إثمنا وخطايانا، ووعدنا بالرحمة الأبويّة والمسامحة". ثمّ ينبّه المؤمنين إلى الشرط الهامّ الملازم لغفران الله لهم، وهو الغفران لـمَن أساء إليهم: "سيغفر لإثمنا كما نغفر لـمَن يسيء إلينا، عالمين أنّنا لا نستطيع الحصول على غفران خطايانا ما لم نغفر، بالمقابل، للذين يسيئون إلينا. وفي هذا المضمار يقول الربّ في مكان آخر: وبما تكيلون يكال لكم (متّى7، 2)". ولا ينسى كبريانوس أن يورد فقرات من الكتاب المقدّس تؤيّد هذا التعليم، كما في مثل العبد الذي أعفاه الربّ من دَين، فرفض أن يغفر لعبد من أهله، فزجّ في السجن وخسر ما أعفاه الربّ منه (متّى 18، 23-35).

وفي هذا السياق يذهب المغبوط أغسطينوس (+430) حين يتحدّث عن المقايضة ما بين غفران الله لنا وغفراننا للمسيئين إلينا، فيقول: "بالتأكيد أنّها مقايضة يُحسب لها حساب عندما نقول: اترك لنا ما علينا كما نترك نحن لـمَن لنا عليه. نحن واثقون بأنّنا ننتهك تلك القاعدة إذا كنّا لا نغفر للطالبين الغفران منّا... علينا أن نغفر كلّ الخطايا المقترفة ضدّنا إذا أردنا أن يصفح لنا الآب عـمـّا اقترفنـاه". أمـّا القـدّيـس يـوحنـّا الـذهبـيّ الفـم (+407) فيقول: "يحثّنا (الربّ يسوع) على أن نتذكّر خطايانـا، وأشار علينـا بأن نغفـر للآخرين ونعتـق أنفسنـا من كلّ هوى حقود. وعدنا بالغفران ووضع أمامنا الرجاء الصالح، وعلّمنا أن نحبّ الحكمة في محبّة الله للبشر التي لا توصَف".

ويذهب أحد الكتّاب المجهولين إلى حدّ القول بأنّ الأجدر ألاّ يصلّي المرء الصلاة الربّانيّة إذا ضمر في نفسه عدم الغفران للآخرين: "بأيّة ثقة يصلّي ذاك الذي يضمر العداء لـمَن أساء إليه؟ إنّه يكذب عندما يصلي: أنا أغفر، إذ إنّه لا يغفر. لذا لا يغفر له الله عندما يطلب منه الغفران (...) مَن يمتنع في صلاته عن مسامحة مَن أساء إليه يحسن به أن لا يتلو الصلاة الربّانيّة. أوّلاً، مَن لا يصلّي كما أمره المسيح لا يكون تلميذًا للمسيح؛ ثانيًا، الآب لا يستجيب صلاة لم يوصِ بها الابن. قد تتلو الصلاة، لكنّك لن تتفوّق على الله في ذكائك ولن تخدعه. إنّه لا يغفر لك ما لم تغفر أنت أوّلاً للآخرين".

يؤكّد أغسطينوس عدم جدوى تلاوة الصلاة الربّانيّة إذا لم ينوِ المصلّي الغفران لـمَن أساء إليه، فيقول: "دعانا (الربّ) إلى الصفح عن الذنوب، إذ إنّه يريدنا أن نكون رحماء، لنبعد عنّا البؤس. حقًّا، إنّنا لا نصلّي في أيّ طلبة أخرى أن نعاهد الربّ على أن يغفر لنا كما نغفر نحن. إذا نقضنا هذا الميثاق، تكون الصلاة كلّها غير مثمرة". ويحذّر القدّيس يوحنّا الذهبيّ الفمّ من عواقب عدم الغفران، فيقول: "ما أشدّ العقاب الذي يستحقّه الذين، بعد كلّ هذا، لا يغفرون، بل يتضرّعون إلى الله طلبًا للثأر من أعدائهم. وبفعلهم هذا يطعنون الشريعة في الصميم".

"ما من شيء يجعلنا نشبه الله سوى استعدادنا لمسامحة الأشرار والأثمة"، يقول القدّيس يوحنّا الذهبيّ الفم. فإذا كانت المسيحيّة هي الطريق المثلى كي يصبح الإنسان بالفعل مخلوقًا على صورة الله ومثاله، فعليه أن يفعل أفعال الله. وليس ثمّة ما يجعلنا نشبه الله أكثر من غفراننا لـمَن أساء إلينا. وإذا كان هدف المسيح أن يصبح الإنسان إلهًا بالنعمة بعد أن صار الإله إنسانًا، فما على هذا الإنسان إلاّ أن يقتدي بالربّ يسوع الذي صفح لجلاّديه وصالبيه والساخرين منـه. الصوم فـرصة نغتنمها فنصفح لمبغضينا، كما تقول تراتيل الفصح الآتي، كي يغفر الله خطايانا وآثامنا وعدم محبّتنا بعضنا لبعض.

الأرشمندريت الياس (مرقس)

صباح الأربعاء في 23 شباط الماضي، رقد بالرب في دير القديس جاورجيوس (دير الحرف) الأرشمندريت الياس (مرقس)، رئيس الديـر السابـق. هـو من مـواليد اللاذقيـة سنـة 1920، مجـاز في الحقـوق مـن الجامعة اليسوعية في بيروت، عمل في التعليم في اللاذقية، ثم التحق بالسلك الإداري في وزارة الداخلية السورية لمدة خمس عشرة سنة كرئيس ديوان في محافظة اللاذقية ثم كقائم مقام. كان لسنوات رئيس مركز حركة الشبيبة الأرثوذكسية في اللاذقية يلقي المحاضرات ويكتب المقالات ويوجّه الشباب ويرشدهم.

جاء الى دير الحرف سنة 1957 مع رفاق له حيث أَسّسوا شركة رهبانية جديدة للرجال هي الأولى في الكرسي الأنطاكي بعد انقطاع للحياة الرهبانية دام عقودًا. سنة 1959 تولّى رئاسة الشركة الرهبانية حتى سنة 2010. كان الأب الياس يمارس مسـؤوليـات الحيـاة الرهبـانيـة والإرشاد الروحـي لأجـيـال متتالية من الشباب والشابات حتى صار دير الحرف منارة إشعاع روحيّ، مقصدًا لكل من ابتغى حياة روحية والتصاقًا بالرب يسوع. عكف الأب الياس على التأليف والترجمة، فصدرت له كتابات عديدة منها أصول الحياة الروحية، مدخل الى الكتاب المقدس، من اجل فهم الليتورجيا وعيشها، الحياة الرهبانية، على عتبة التكريس، وترجمات أهمها: السُلّم الى الله، انطونيوس الكبير، يوحنا كرونشتادت، مئة مقالة في المعرفة الروحية، الدفاع عن القديسين الهدوئيين، مقالات القديس سمعان اللاهوتي الحديث وآخرها “آمنوا بالنور لتصيروا أبناء النور” و”هلم واسكن فينا”.

سُجي جثمانه في كنيسة الدير حيث أقيمت الصلوات اليومية بشكل دائم والقداس الإلهي صباح كل يوم. وكان المؤمنون يتوافدون بالآلاف من كل المناطق ويشتركون في الصلاة. ثم أقيم جناز الكهنة يوم الجمعة في 25 شباط قبل الظهر، وبعد الظهر أُقيم الجناز برئاسة سيادة راعي الأبرشية المطران جاورجيوس. اشترك في الخدمة ايضا السادة المطارنة الياس (بيروت)، والياس (صور وصيدا)، وبولس (حلب)، وافرام (طرابلس)، والاسقف غطاس عميد معهد اللاهوت، مع اكثر من مئة كاهن. امتلأت الكنيسة بالكهنة والرهبان والراهبات والمرتلين وتوزع المؤمنون في الباحات والقاعات.

ألقى المطران جاورجيوس العظة التالية: “حيّ هو الله الذي آنا واقف أمامه”. عندما كان شفيع أخينا الأرشمندريت الياس النبي ايليا يقاوم الدنيا في سبيل الله. الدنيا آنذاك ألحدت وعبدت الأصنام. وقف هذا النبي الفقير الجائع أمام ملك بلاده وملكتها ليقول للكون: “حي هو الله”. ليس احد قبل الله، ليس من ملوك وعظماء. هناك كائن واحد هو الله وانا عبده ورسوله الى هذه الأمة التي كلفني بها بالنبوّة. الشاب الياس مرقس الذي عاش في لاذقية العرب رأى ان الوهن قد أصاب شعبنا هذا المدعو ان يكون مستقيم الرأي والتمجيد، فكتب لصديق له قائلا: نحن مدعوون ان نقوّم هذا الشعب الذي يحسب نفسه قويم. إذًا منذ مطلع تحسسه الروحي كان يناضل في سبيل المسيح بلا تكليف منظور، بلا ثوب، لأنه لم يستطع ان يطيق هذه الأمة المقدسة تتدهور في خطاياها وجهلها. كتب الى صديقه الذي كان في المَصيف: نحن نريد ان نقوّم الأمة الأرثوذكسية بإنجيل يسوع المسيح بحبّه وطاعته لأننا نريد شعبنا كنيسة. نريد الأمّة متلألئة بالروح، ملتهبة بالحب الالهي، عاشقة لهذا الذي أعلن عشقه لها، الذي سُمّر على الخشبة.

الياس مرقس فهم شيئين في هذا الموقف المُعَبَّر عنه في هذه الرسالة. فهم انه مدعوّ ان يجمّل نفسه بالفضائل، وان كلّ واحد من إخوتنا مدعو الى هذا، لأننا في الماضي كنا نتذمر وكنا ننم وننتقد الرئاسات الروحية ونظنُّ اننا بهذه الثرثرة سوف ننهض بشعبنا، الى ان وعى هذا الشاب ان القضية هي ان تميت شهواتك ليحق لك ان تتكلم وأن توجَد. لم يكتفِ بتنقية ذاته، هذا وحده انغلاق. يجب تطهير الآخرين بحب يسوع. امتدّ اذًا الى الآخرين ليتمكن من الوصول الى الرب. بعد هذا رأى ان عندنا نموذجًا للتنقية وهو الرهبانية، ليست انها الوسيلة الوحيدة للتطهر ولكنها وسيلة اعتبرتها كنيستنا نموذجية. فجاء الى هذا المكان. ومهّد لمجيء بعض من رفقائه من سوريا ولبنان. فبيّن ان الشركة الرهبانية ليست وحدها النموذج ولكن الانسان الفرد الذي صادق المسيح هو النموذج. قرأ، وأرجو ان نصبح جميعا قرّاء للكلمة الإلهية، لأن كنيستنا كنيسة الكلمة التي تنزل عليك من الله أقنومًا ثانيًا من الثالوث القدوس. “في البدء كان الكلمة والكلمة كان عند الله وإلهًا كان الكلمة”.

يتبادر الى ذهني عندما تنشأ مؤسسة انها بحاجة الى تنظيم، الى زراعة، الى اقتصاد، الى كتابة. ولكن المسجّى أمامنا في حضرة ربّه فهم ان ليس من مؤسسة، هناك أشخاص، محبّون لله، راغبون في التطهر، مناضلون فيما هم يصعدون على سلّم الفضائل. لأنك إن رأيت ان الله هو كل شيء، كما رأى ايليا النبي، تطمح ان تصيـر مثل الله. نحن لا نكتفي ان نكون بشر أوادم. نحن نريد ان نكون آلهة. هذا في كتب آبائنا. أراد هذا الإنسان الذي أوغل في التواضع، ان يكون حبيب الله، شاهدًا لكلمته، مُمدًا إخوته بها، غير معتدّ بفضيلة عنده، منسحقًا حتى النهاية لأن التواضع هو ان تصير إنسانًا ممحوًا في حضرة الله. لأن من ظن نفسه شيئًا، على قول الرسول، ليس بشيء. الياس مرقس ظن نفسه لا شيء ولذلك استطاع، على الصعوبات الجمة، ان يجمع هذا القطيع الصغير في هذا المكان العالي. استطاع بنعمة الله، مستورًا بتواضعه، لا يقرأ تواضعه، يقرأه الناس، قرأناه نحن. ولذلك أراد أن يكون مشروع قديس. هذا الشيء الوحيد الذي يستحق أن نجاهد في سبيله.

ولم يحل هذا دون فرحه الدائم. كان يحس بأن المسيحية فرح. ولكن الفرح يقتضي جهادًا مريرًا. لا تستطيع ان تتصاعد الى الحضرة الإلهية ما لم تتيقن انك لا شيء. هذّبَ مَن هذّبْ. ألحّ عليهم ان ليس من مشاركة بينهم الا الرب يسوع. وبقي يصارع حتى النهاية على روح مداعبة. ولكن دائمًا بلا دينونة على أحد... انك إن كنتَ حبيب الله فهو يعفيك من المحاكمة قبل ان تقع عليك الدينونة. أعفي رئيس هذا البيت، الاب الياس من المحاكمة. ولذا يحق لنا ولحبنا أن نستشفعه على رجاء قيامته وقيامتنا والحياة الأبدية.

هذا المكان جدد الرهبانية عند الرجال. هو ورفقائه، من ارتحل منهم ومن استُبقي، قالوا، تساءلوا: ما الرهبانية في العمق، في التعريف اللاهوتي الصميمي؟ هي أن يشدَّ الإنسان نفسَه الى الحياة الأبدية وكأن هذه الدنيا في أطايبها ولذائذها غير موجودة. نحن منذ الآن نتجنّد متكلين على الله، نتجنّد لكي يأخذ الله أبصارنا الى الملكوت منذ الآن... حاول هذا الأخ الطيب هذا الفكر وهذه الممارسة بتواضع، بانكفاء، بانسحاق، بمحبة لا توصف لإخوته ولنا جميعًا، بانحناء دائم أمام وجه الله، ولذلك كنّا نؤمّ هذا الدير لنتعلّم التواضع، لنتعلّم ان ليس أحدًا الا الله، وان نقول هذا لعظماء هذا الدهر، وان نغدو بسطاء مكتفين بالنعمة الإلهية والكلمة الإلهية. سيقول له الله بلا دينونة: جعلتك أمينًا على نخبة صغيرة من الرجال، من الرهبان، سأقيمك على الكثير. ادخل الى فرح ربّك حتى يؤمن الناس ان ليس سوى وجه الله في الكون، واننا اذا شددنا على هذا الوجه نكون مقلدين الارشمندريت الياس، ولو في حدود معينة. نكون مشتاقين الى الرؤية العظيمة لنموت على استقامة الرأي وعظمة التمجيد ممهدين هنا لدخولنا الى اورشليم السماوية. الا كان الله معكم جميعا وعزّى قلوبكم.

 
Banner