Article Listing

FacebookTwitterYoutube

Subscribe to RAIATI










Share

للمقبلين على سرّ الزواج المقدّس رجاءً مراجعة موقع:  wedding2

مركز القدّيس نيقولاوس للإعداد الزوجيّ

Home Raiati Bulletin Raiati Archives Raiati 2011 العدد 52: تبنَّانا بالمسيح
العدد 52: تبنَّانا بالمسيح Print Email
Sunday, 25 December 2011 00:00
Share

تصدرها أبرشيـة جبيـل والبتـرون للـروم الأرثـوذكـس

الأحد 25 كانون الأول 2011 العدد 52   

ميلاد ربنا ومخلّصنا يسوع المسيح بالجسد

رَعيّـتي

كلمة الراعي

تبنّانا الله بالمسيح

“لمّا حان ملءُ الزمان”. هذه المقولة نفهمها بما قبلها وهو حديث عن الوارث الذي هو تحت أوصياء ووُكلاء. ولكن عند بلوغه الرشد ينتهي حُكم الأوصياء. ولكن بعد انتهاء زمن الوصاية جاء ملء الزمان. إذ ذاك أَرسَلَ اللهُ ابنه مولودًا من امرأةٍ، وبتنا مباشرة تحت أمر هذا الابن او تحت حُكمه، وبطلَ إذ ذاك حُكم الناموس الموسويّ وفرائضه.


 

أكّد بولس أننا صرنا أبناء. لذلك "أَرسل اللهُ روحَ ابنه الى قلوبكم صارخًا أَبّ Avva." هنا بولس كتب بالحرف اليوناني العبارة الآرامية ثم فسّرها بكلمة الآب. “فلستَ بعدُ عبدًا بل أنت ابنٌ” بمعنى أن نظام الوصاية قد زال وصرتَ مثل الابن الوحيد حبيب الآب ولك المحبة التي للابن من الآب وهذا ما يفسّر أنك مُتَبنّى.

“فأنتَ وارثٌ لله” الذي لم يعُد يُعاملك كواحد من العهد القديم موضوع تحت وصاية. علاقتك مباشرة مع الله “بيسوع المسيح”. بنوّة هذا الأخير للآب جعلتك ابنًا. هذا الفصل من الرسالة الى أهل غلاطية اتخذناه لنفهم معنى الميلاد. في الكنيسة الأُولى كان هذا اليوم يُعَيَّد مع الظهور الإلهي (الغطاس)، ومعنى التذكارين ظهور الله بطريقة الميلاد وطريقة العماد.

ثم فصَلْنا التذكارين وأَبقينا ذكرى معمودية السيّد للسادس من كانون الثاني. لكن عندما نقرأ هذا المقطع من الرسالة الى أهل غلاطية، أخذنا نفهم ما لم يكن واضحًا في العيد المُشتَرك أي أننا صرنا أبناء ببنوّة يسوع المسيح.

وبُنوّتنا لله صارت تحمل معنى الدالّة للأولاد على أبيهم. يخاطب الطفل أباه وأمه بروح القُربى.

صحيح أن هذا العيد سمّاه آباؤنا “العيد الصغير”، وسمّوا الفصح “العيد الكبير” لكونه عيد الخلاص. ولكن التجسد الإلهي يُدشّن الخلاص. كذلك يظهر الخلاص في كل الأعياد السيدية والعجائب كما تعاليم يسوع تُظهر سرّ الخلاص.

المؤسف أن الميلاد التبس بعادات وثنية مِن أَكْل وشُرب قبل القداس او عشية القداس، ويكاد يتحوّل الى موسم دنيويّ، وآن الأوان لنعيشه كموسم كنسيّ مليء بالمعاني الإلهية نتجدّد فيه كل سنة.

هل نستقبل المسيحَ كما استقبلَتْه مريم والمذود والمغارة؟ هل تنفتح له القلوبُ الفقيرة اليه ونتلمّس دفء محبته؟ هل نقيم العيد في كنائسنا وليس فقط في بيوتنا؟

العيد ليس الزينة. انه مشاركة الفقراء حتى يعرفوا أن الله يحبّهم بواسطة إخوتهم الأكثر يُسرًا. المسيح كان فقيرًا يوم ولادته وبقي فقيرًا. إكرامًا له ومحبة سوف نفتقد المحتاجين لكي نسترضيه ونقترب من قلبه.

جاورجيوس مطران جبيل والبترون وما يليهما (جبل لبنان).


الرسالة: غلاطية 4: 4-8

يا إخوة، لمّا حان ملءُ الزمان أَرسلَ اللهُ ابنَه مولودًا من امرأة، مولودًا تحت الناموس ليفتديَ الذين تحت الناموس لننال التبنّي. وبما أنكم أبناء أرسلَ اللهُ روحَ ابنه الى قلوبكم صارخًا: يا أبّا، الآب. فلستَ بعدُ عبدًا بل أنتَ ابنٌ، وإذا كنتَ ابنًا فأنت وارثٌ لله بيسوع المسيح.

الإنجيل: متّى 2: 1-12

لمّا وُلدَ يسوع في بيتَ لحمَ اليهودية في أيام هيرودسَ الملك إذا مجوسٌ قد أقبلوا من المشرق الى أورشليم قائلين: أين المولود ملك اليهود؟ فإنّا رأينا نجمَه في المشرق فوافَينا لنسجد له. فلمّا سمعَ هيرودسُ الملك اضطرب هو وكل أُورشليم معه وجمع كلّ رؤساء الكهنة وكَتَبة الشعب واستخبرهم أين يولد المسيح. فقالوا له: في بيتَ لحمَ اليهودية، لأنّه هكذا قد كُتبَ بالنبي: وأنتِ يا بيتَ لحمَ أرضُ يهوذا لستِ بصُغرى في رؤساء يهوذا لأنه منكِ يخرج المُدَبّر الذي يرعى شعبي إسرائيل. حينئذ دعا هيرودسُ المجوسَ سرًّا وتَحقّق منهم زمنَ النجم الذي ظهر. ثم أَرسلهم الى بيت لحم قائلا: انطلقوا وابحثوا عن الصبيّ بتدقيق، ومتى وجدتموه فأَخبروني لكي آتي انا أيضًا وأَسجدَ له. فلمّا سمعوا من الملك ذهبوا. فإذا النجم الذي كانوا رأوه في المشرق يتقدّمهم حتى جاء ووقفَ فوق الموضع الذي كان فيه الصبي. فلما رأوا النجم فرحوا فرحًا عظيمًا جدًّا، وأتوا الى البيت فوجدوا الصبيّ مع مريم أمّه، فخرّوا ساجدين له وفتحوا كنوزهم وقدّموا له هدايا من ذهبٍ ولُبانٍ ومُرٍّ. ثم أُوحي اليهم في الحُلم أن لا يرجعوا الى هيرودسَ، فانصرفوا في طريق أُخرى الى بلادهم.

سرور أبديّ

ماذا يجب أن يعني لنا عيدُ ميلاد الربّ؟ للإجابة عن هذا السؤال، سنستند إلى أُنشودة تلوناها، قَبْلَ أيّام من وقوع العيد، في صلاة غروب الثاني والعشرين من شهر كانون الأوّل. وهذه: "إنّ الشمس، الذي لا يغيب، يأتي بازغًا من الأحشاء البتوليّة، ليُنير البسيطة بأسرها. فلنُبادر، إذًا، لاستقباله بأعين نقيّة وأعمال مبرورة. ولنستعـدّ، الآن، بالـروح، لنتقبّلـه آتيـًا إلى خاصّته، بولادة غريبة، كما قد سُرَّ هو. حتّى إنّه، بولادته في بيت لحم، يُعيدنا، أيضًا، إلى سُكنى عَدْن التي قد تغرّبنا عنها، بما أنّه محبّ للبشر".

بادئ بدء، يجب أن يلفتنا، في صلوات عيد الميلاد جملةً، ذكْر ألفاظ وعبارات مثل: "الشمس"، "النور"، "نور المعرفة الإلهيّة"، "وُلِدَ من الآب قَبْلَ كوكب الصبح"... وهذا، تاريخيًّا، يتعلّق بكون العيد قد انتصر على عيد وثنيّ، هو عيد "الإله ميترا"، أو "الشمس التي لا تُقهر"، الذي كان قد أخذ ينتشر ضمن نطاق الإمبراطوريّة الرومانيّة. فهذا العيد الوثنيّ، الذي انطلق من الشرق (من إيران تحديدًا)، كان له طقسه المنحرف. والكنيسة، في توقيعها، في يوم "عيد الشمس"، عيدَ ميلاد الربّ (الذي كان ثابتًا تعييدها له، في مطلع القرن الرابع، يوم عيد الظهور الإلهيّ، أي في السادس من كانون الثاني)، أرادت أن تحمي أعضاءها من شرّ الوثنيّة، وترفعهم إلى كون الربّ، الذي هو "شمس العدل"، هو، وحده، نور سبيلنا في هذا العالم. وهذا يُحدّد لنا أنّ عيد الميلاد إنّما يفترض اعترافًا بأنّ الربّ هو "نور العالم"، نور "لا يغيب"، نور ينشر الحياة والدفء والرضا في "البسيطة بأسرها" التي يحيا معظم أهلها في ظلام البرد والبُعد.

إلى هذا، يجب أن نلاحظ أنّ الكنيسة تريدنا، في هذه الأُنشودة، أن نلتزم أنّ الربّ يأتي "من الأحشاء البتوليّة". وهذا يعني أمرين متلازمين. أوّلهما أنّ التعييد لميلاد الربّ يجب أن يرافقه، لزامًا، إقرار بأنّه أتى من "فتاة الله" التي لم تقبل غير زرعه زرعًا. وثانيهما أنّ هذه الفتاة، التي ساهمت في هذا الحدث الخلاصيّ بتخصيص نفسها للربّ، هي مثال ما تنتظره الكنيسة من جميع الذين يجمعهم عيد ميلاد ابنها. ليس بمعنى أنّها تنتظر أن نعترف بطُهر مريم فحسب، فهذا، إن أردنا الحفاظ على سلام قلوبنا، واجب ملزم دائمًا، بل أن نرى أنفسنا معنيّين بها أيضًا، أي أن نرى أنّ ما فعلته إنّما أردناها نحن أن تفعله أيضًا. وهذا عينه ما تقوله خدمة غروب العيد. نقرأ: "ماذا نُقدّم لك أيّها المسيح، لأنّك ظهرتَ على الأرض كإنسان لأجلنا؟ فكلّ فرد من المخلوفات، التي أَبدعتَها، يُقدّم لك شكرًا: فالملائكةُ التسبيحَ، والسماواتُ الكوكبَ، والمجوسُ الهدايا، والرعاةُ التعجّبَ، والأرضُ المغارةَ، والقفرُ المذودَ، وأمّا نحن، فأُمّا بتولاً". فمريم، أُمّنا البتول، التي قدّمت ذاتها للربّ، تجعلها ليتورجيا العيد تقدمة البشريّة المؤمنة التي شأنها أن تعتقد، في عيد ميلاد الربّ (وفي غير وقت)، أنّها مدعوّة إلى أن تلد المسيح في هذا الوجود.

هذا يُعِدّ لـ: "فلنبادر، إذًا، لاستقباله". أن نبادر لاستقباله، يعني أن نعتقد أنّه يأتي إلينا خصّيصًا. فالمسيح الآتي، وفق ما تكشف هذه الأُنشودة، لا يأتي، ليعبُر بنا عبورًا، بل يأتي إلينا، أو يأتي ليُقيم فينا، أي فينا جميعًا وفي كلٍّ منّا في آنٍ. وتُحدّد لنا الأنشودة نوعيّة هذا الاستقبال بعبارتَيْن: "بأعين نقيّة" و"أعمال مبرورة". وهاتان العبارتان ترسُمان لنا أنّ استقبالنا الربّ الآتي يفترض جهدًا يُرضيه. فنحن كثيرًا ما نعتمد على أساليبنا في استقبال الربّ (نُزيّن بيوتنا وشُرفاتنا وطُرقاتنا، نقدّم هدايا بعضنا لبعض...)، وتريدنا الكنيسة ألاّ يُنسينا ما نفعله أن نستقبله وفق أسلوبه. وأسلوبه، كما هو ظاهر، يتمّ بثبيت النظر إليه، وليس أيّ نظر، بل النظر النقيّ الذي يدلّ على أنّنا نحبّ كثيرًا حضوره بيننا وفينا. ويتمّ، تاليًا، بالتزام أعمال البرّ. فإن كنّا نؤمن بأنّ المسيح قد أتى إلينا، فهاتان العبارتان تُلزماننا أن نأتي إلى الآخرين، ولا سيّما الذين يحتاجون إلى معونتنا. فعيد الميلاد فرصة باقية، لنذكُر كلّ فقير مُهمَل في الأرض. نذكره، ونبقى على ذكره أبدًا. هذا هو عينه استقبال الروح الذي يُبدينا من خاصّته. فالولادة غريبة، والاستعداد لها يجب أن يتمّ بغرابة أيضًا. هذا العالم، الذي نحيا فيه، لا يُناسبنا أن نشبهه في أعماله، ولا سيّما تلك التي تُبدينا بشرًا عاديّين لا يميّزنا عن سوانا أيّ شيء. فالربّ ينتظر أن تكون لنا ملكات جديدة تكشف ما يأبى أن يلتزمه الكثيرون في العالم. كلّ مَنْ جعله ميلاد الربّ، الذي أتى إلينا "كما سُرّ هو"، يقيم في استغراب شديد، يجب أن يشكّل استعداده له استغرابًا في الأرض. استغرابًا أو ربّما صدمةً، ما من فرق!

أمّا خاتمة الأُنشودة، أي "حتّى إنّه، بولادته في بيت لحم، يُعيدنا، أيضًا، إلى سُكنى عَدْن التي قد تغرّبنا عنها"، فتكشف هدفًا آخر من أهداف هذه الولادة الغريبة، أو الهدف الحقيقيّ منها. فولادة الربّ خلاصيّة. إنّه يأتي، ليُعيدنا إلى الشركة مع الله، الشركة التي خسرناها بفعل خطايانا. وهذه الشركة تكشف أنّ العيد لا تنتهي معانيه في يوم العيد. العيد، الذي يجمعنا حول هذا "الطفل الجديد"، مداه أن نقتنع بأنّ حياتنا لا قيمة لها إن لم نرتضِ أن نسكن إلى الله أبدًا. والعبارة الأخيرة: "بما أنّه محبّ للبشر" ليست عبارةً مستهلكة، أي نجدها في مواقع أخرى. فهذه العبارة نكهتُها، هنا، أنّها تُبيّن، بفصاحة ظاهرة، أنّ الربّ يأتي إلينا، لأنّه يحبّنا جميعًا. فحدث الميلاد هو، في الأخير، حدث يحرّكه أنّ الربّ يُحبّنا جميعًا.

هذه المعاني تدفعنا الكنيسة إلى أن نرتضيها بنقاء وبرّ، ليكون عيدُنا سرورًا أبديًّا.


الأخبار

وفاة الأب جورج (خوري)

يوم الأحد في 11 الجاري رقد بالرب على رجاء القيامة والحياة الأبدية المتقدم في الكهنة الخوري جورج (خوري) كاهن رعية برمانا منذ سنة 1957. الأب جورج من مواليد كفرعقا سنة 1930، متزوج وله ستة أبناء وبنات. التزم في حركة الشبيبة الأرثوذكسية منذ أيّام الدراسة، وعمل في نشر الإنجيل بين الشباب. قاده هذا الى التكريس في الكهنوت فسيم شماسا ثم كاهنًا سنة 1957 بوضع يد المطران إيليا (كرم) الذي عيّنه في برمانا وجعله متقدّمًا في الكهنة سنة 1968. الى جانب الرعية عمل الأب جورج في إدارة المطرانية وكيلاً لسيادة راعي الأبرشية المطران جاورجيوس ورئيسًا للمحكمة الروحية ورئيسًا للديوان، ولابد من الإشارة الى انه أول من أصدر “رعيتي” سنة 1981.

أُقيم له مأتم مهيب يوم الأثنين في 12الجاري في كنيسة القديس جاورجيوس في برمانا: حضر الجناز عشرات الكهنة والمئات من أبناء الرعية والأهل والأصدقاء. ثم حمله الكهنة وواروه الثرى في مدفن الكهنة في كنيسة النبي إشعياء. في أثناء الجناز ألقى سيادة راعي الأبرشية المطران جاورجيوس عظة:

"استرنا يا الله بستر جناحيك".

ماذا يستر الله بين جناحيه؟ انه لساترٌ اولا خطايانا لكي يحرقها. ما الذي يحرق خطايانا؟ هي المحبة الكاملة تحت جناحي الرب، اذ ليس من لقاء بين الحب والخطأ، الى أن تجري حياتنا في قبضة الحب الالهي. فإذا نظرنا الى وجه انسان، في القراءة النفسية التي لنا، نرى مجموعة خطايا مرسومة على وجهه. ولكن القديسين قالوا لنا: ينبغي أن تقرأوا فقط النور الذي جعله الله على هذا الوجه منذ الخلق. لا يبقى إلا النور. فإذا ما انتقل أيّ منا الى رحمة الله، لا يحق لنا الا أن نسمو بقراءة النور مطوّبا على وجهه وعلى عائلته.

كنت أتحرّك منذ أكثر من ستّين سنة في إحـدى مـدائـن هذا البلـد في الشمـال. وإذ بي أرى شـابًـا أفتى مني بقليل. سألتُه: من انت؟ قال: أنا جورج خوري. قلتُ: من يكون جورج خوري؟ اجاب: انا شاب من هذه الضيعة التي تسمى كفرعقّا في الكورة. وقال: تعال معي. ذهبت معه. واذ به يجعلني في وسط شُبّان هذه القرية، وقال: تكلّم. وكان في جيبي الصغير إنجيل اعتدنا نحن، تلك الجماعة، أن نقرأه في كل مكان. قالت الناس: هؤلاء قُرّاء الإنجيل، مع أنهم ينتمون الى مجموعة دينية لا تقرأ شيئا. طوّعنا هذه الجماعة لتجيء من الإنجيل، ولتصير كلمةُ الرب الجسر الوحيد بيننا. وأخذنا نتصاعد الى كفرعقّا والى جوارها. وبقي هذا الرجل المسجّى هنا يحنّ اليها، حتى الأسابيع الاخيرة من عمره. يذهب ليقول للأفتى: إنما انتم تجيئون من هذا الكتاب، وليس من كلمة اخرى في العالم. تجيئون منه او تموتون. قالوا: نحن لا نريد أن نموت. قال لهم هذا الرجل: اذًا، عليكم أن تقرأوا، أن تبتلعوا هذا الكتاب حتى يصير إياكم، وتصيروا إياه.

ثم غاب عنّي قليلا جورج خوري. ورأيته عاملا في أحد المصانع في بيروت. قلتُ له: أَقابلتَني لتجيء الى هنا، أَم لتعمل في الكلمة وتمتصّها؟ تعال الى حيث يجب أن نكون. ورأيتُه وخلاّنًا له يتردّدون علينا في تلك المنطقة، ويقولون: هذه سُلّم الى الله. نحن جئنا نصعد على هذه الدرجات لأننا لا نقبل شيئا أقلّ من أن نرى الله. ثم افترقنا قليلا بسببٍ من ظروف الحياة. ثم أُرسلت خادما الى هذه المنطقة، فوجدت الرجل في هذه القرية. قلت له: ماذا تعمل هنا؟ قال: انا صرتُ كاهنا لله العليّ، وخادما للناس بقوة الكلمة التي صارت لي وابتلعتُها. تركتُ الكلمة بين يديه تبتلع القوم. وقيل لي في تلك السنوات إن هذا الكاهن يحبّ الرعية لأنها رعية يسوع. هو لا يعرف إلا يسوع، ويريد هذه الجماعة أن تلتصق به حتى تصير منه، وحتى لا يعرف البشرُ إلا المسيحَ على وجه الكاهن. بقي في خدمتهم طوال عشرات من السنين، أكبرُكم يَعرفها وأصغركم ذاق ما تبقّى منها. وصرتُم كنيسة -ولا أُريدُ بها هذا البناء-، صرتم كنيسة المسيح. هي عظيمة فيه وبه، وتحاولون أنتم أن تُصبحوا عظماء بها وفيها، تحاولون. وهذا الرجل يتعذّب. قال لي مرّاتٍ: الإيمان قليلٌ وضعيفٌ عند الناس. ماذا أعمل بالناس؟ كيف آتي بهم الى الرب المبارك؟ كيف يتجلّون؟ كيف يَحيون بلا مسيح في صدورهم وقلوبهم وأمعائهم ولحمهم ودمهم؟ كيف يحيـون؟ من أين يحيـون؟ حاولتُ أن أُعزّيه وأن أقول له: إن المخلّص صابر عليهم، ومعذّب بهم ايضا، كما أنت معذّب بهم. ولكن كُتب عليك “أنتَ كاهن الى الأبد على ترتيب ملكيصادق”. أنت كاهن إلى الأبد، وأحد القديسين اللامعين قال لنا: الكاهن يبقى كاهنا في السموات، ولن يكون مثل بقية الناس فقط معمّدا. ولكن وُضعت عليه الأيدي، أي نزلت عليه بركاتُ الرسل الإثني عشر لكي يموت عن الرعية في سبيل حبّه لها. ألسنا نموت يا سيدي كل يوم من أجلك، وخطايانا مستورة تحت جناحيك؟ ولكن محبتك تتنزّل من هذين الجناحين لتُحرق خطايانا.

لقد عملتَ ما عملتَ يا أخي حُبّا بالمخلّص. وتعبت. وأخطأت. وهذا وضع الناس جميعا. ولكنك أردت أن تتوب. وهذا أعرفه. أَعرف هذه الإرادة. قلتَ لي منذ أيام: لقد اعترفتُ أمامك، ولكنك نسيتَ أن تحُلَّني. قلتُ له: انا لا أَنسى. أَعرف أن الآب والابن والروح القدس يَحلّونك من فوق. قال لي: خذ البطرشيل، وحُلّني. وهكذا أَطعتُ هذا الاخ الكريم، لكي يبدو جميلا أمام القديسين الذين لقيهم عند فراقنا عنه. سيقولون له: من انت؟ أأنت كنتَ هذا الولد من كفرعقّا، وهذا الكاهن من برمانا؟ هل انت هذا؟ يقول: انا دون ذلك. انا لستُ بشيء. انا أَحببتُ، وحاولتُ، وأَعطيتُ نفسي بالمعمودية لهذا الذي أَحبّني. وأنا أعود اليه حافيا عاريا، كما خرجتُ من بطن أُمّي. وبعد أيام من ولادته كاد يموت، ولكن الله حفظه لشأنٍ في مشيئته، حتى يأتي ويخدمكم، لكي يحسّ بصدمات في ذاته، لكي يشعر بجراحات في ذاته. ولكنه أَخذ خرقة وضعها في ماء المعمودية، ونضح نفسه بها، ونقّى نفسه بنعمة الروح القدس من كل خطيئة، حتى تُتابعوا أنتم مسيرة النقاوة، وحتى تفرحوا، لأن الميلاد آتٍ، ولأن الفصح دائما آتٍ، كل يوم.

جئنا هنا كثيرين لنُرافقه درجةً درجةً الى باب الملكوت ليسمع صوت الآب يقول له: “كنتَ أَمينا على القليل، سأَجعلُك أمينا على الكثير. ادخُلْ الى فرح ربك”. وفي صلواتكم جميعا ورجائنا أن أبواب الفردوس مفتوحة أَمامه لكي يبتسم له القديسون عند استقبالهم، ولكي يدنو من العرش. لا يستطيع أن يجلس على العرش، ولكنه يلامسه بيمناه، ويقول: جُرحتُ وصُدمتُ وأَخطأتُ. ولكني الآن أمامك أيها الآب والابن والروح القدس، تَمجّد اسمك الى الابد في الأبرار.

Last Updated on Friday, 16 December 2011 15:39
 
Banner