الشيخوخة والعتاقة 09/21/2013 |
|
|
Saturday, 21 September 2013 00:00 |
Share الشيخوخة والعتاقة
بقلم المطران جورج خضر، جريدة النهار السبت 09/21/2013
الشيخوخة مرحلة من العمر او هي قدمه وكثيرا ما رافقها هبوط الهمة والحزن احيانا حسب قول الشاعر: يا ليت الشباب يعود يوما. حزن على النضارة وربما اللذات التي فاتت والحس باقتراب الموت، حسّ يرافقه حزن عند الكثيرين شغفا بالحياة. ربما لم يألف الكثيرون ان الشباب مرحلة تنقضي لكونهم يحسون ان الحياة هي اللذة ولكونهم لم يدخلوا بعد مرحلة الفرح المقيم المستقل عن تقادم الزمان. الناس معظمهم من هذا اللحم وليسوا فقط في هذا اللحم. يذهبون بذهابه: لذلك يحسون ان الشيخوخة عتاقة اي انقضاء الطيب من الحياة مع ان اصحاب الحس الرهيف يرون جمالنا في كل مرحلة من مراحل الوجود.
الشيخوخة معنويا تعني الحزن على ما انقضى وكأنه بالضرورة الأفضل او الأكثر متعة. هؤلاء لم يذوقوا ان الفتوة ليست بالضرورة الأجمل او الأعمق وان القدرة الانسانية في أعماقها وأبعادها لا علاقة لها بالسن. هناك شبان عتقت همتهم ويئسوا من وجودهم وثمة مسنون ينظرون الى غدهم وما عتقوا. الأحياء الأحياء من لا يحسون ان شيئا منهم انقضى وان شهادتهم لا علاقة لها بالأعمار لكونهم يجيئون من الحق. الشيخ من نظر الى الموت يفنيه. الحيوية لا علاقة لها بالأعمار. الحياة هي الرجاء اي انها ان نذوق الغد في يومنا. الشيخوخة هي الشعور بالفناء قبل ان يأتي الفناء. ان كنت حيا فماضيك ما مضى، انت في موصولية دائمة. تبدأ الشيخوخة اذا شعرت انك أدركت المرحلة الأخيرة من عمرك. اما اذا أحسست ان لك غدا فما انت بشيخ مهما انقضت الايام عليك. انت حي اذا شعرت بالغد. واذا تخيلت انك انتهيت فأنت منتهٍ. ان رأيت انك آتٍ من الله فأنت حي. واذا أحسست بهمة اي بإقبالك على الحياة فأنت حي. استعد للموت كل يوم ان كنت مؤمنا لأن لك بعده لقاء مع الله ولكن اعمل كأنك تعيش ابدا. لا تحسب للموت حسابا. لا تحتاج الى هذا ان عشت في التوبة. فكر بالموت ابدا لكي تبقى ابدا تائبا واذ ذاك لا فارق عندك بين موتك والحياة. ليست الشيخوخة دائما حسنة. تصبح كذلك ان رافقتها التوبة لأن التوبة تجديد. انت شيخ اذا انطويت اي اذا ترسخت على ماضيك. لا تبقى شيخا ان أحسست ان لك غدا تنتظر فيه احساسا بالله وبالآخرين. القضية ليست قضية عمر. هي قضية حيوية. ويمكن ان تجربك الأوجاع وتحس انك موجود وفاعل. لكن انتظار الغد لا يكفي. يحوجك الرجاء. العمر هو في العطاء. هناك شبان انتهوا وشيوخ لم ينتهوا. الحياة تطلع من رجاء اي انتظار التحقيق لوعود الله في عمرك. المهم الا تسقط مع تقادم الزمان عليك. توثب دائما ولا تستسلم للعمر. الرب آت. آتٍ مع وعوده وكرمه. تيقن ان وعيك ممكن حتى منتهى الشيخوخة وان رجاءك ممكن. لا تمت معنويا قبل ان تموت جسديا. هذه خطيئة. ليس المهم فقط ان تعيش. الأهم ان ترجو. لا تسقط في اليأس. لا تسقط في الحزن. لا يمكنك ان تنتج بلا فرح. سر دائما، لا ينقطع سيرك لأن الرب آتيك غدا. هو ينتظرك وكثيرا ما كانت الشيخوخة اطلالة على الفرح. وليست فقط اطلالة على الموت ولو كانت كذلك فالموت يحمل وعود حياة ابدية. تقول لله "لست اخشى الشر لأنك معي. عصاك وعكازك هما يعزياني. ملأت قلبي فرحا". العتيق من انتهى. الثوب العتيق هو الثوب المعد للرمي. الانسان لا ينتهي. لا تقبل ان تعتق. في العطاء لا فارق بين شاب وشيخ. العطاء من الروح. والحياة الروحية لكونها نازلة من فوق لا علاقة لها بالسن. تأتيك متى تتقبلها. الشيخ حي اذا أبدع، اذا تجدد... الناس وكثيرا ما عتق الفتى بالضجر. لا تخشَ تقادم الزمان. انت لا تعتق بالجسد. تعتق ان كففت عن العطاء، ان وقعت باليأس. العمر لا يقاس بالسنين. يقاس بنوعية الوجود. الجسد اذا شاخ له ان يحمل نفسا متجددة. في الامور الكبرى ليس الجسد شيئا. الوجود وعيك لله فيك ووعيك للعطاء. تنشأ الأشياء حولك بهذا الوعي. لا تخشَ إقبال الشيخوخة عليك. كثيرا ما كانت نعمة لانها كثيرا ما كانت وعيا، وعيا لله فيك وفي عطائك. الانسان ليس بعمره. انه بتوبته اي بمعرفته انه يجيء من فوق وانه يصنع حياته بما ورثه من فوق. الحياة لا تأتيك. انت تأتيها بما نزل عليك من ربك. الوجود نوعية وجود. انت تذهب من داخلك الى ما حولك. لا تأتي انت من الخارج. لا تخش شيئا. اخش فقط ان تصبح انسانا سيئا، ان تسمي الخير شرا والشر خيرا. هذه هي نهاية وجودك الانساني. واحدة اسأل الرب واياها التمس ان تبقى امام وجه الرب طوال ايام حياتك. الدنيا، اذ ذاك، تعطاها كزيادة. لا فارق، عند ذاك، بين شيخوخة وشباب، بين غنى وفقر، بين صحة ومرض. لا تسع الى شيء من الارض فالرب يعرف حاجتك اليه ويمن عليك على قدر حاجتك. "الرب يرعاني فلا يعوزني شيء". لا زيادة على الله. وربك رفيقك في كل مراحل عمرك. لا تطلب لنفسك منه شيئا محسوسا. هو يكللك بكل نعمة منه. انت لا تنطوي في اي سن لأنك منفتح على العطاء النازل عليك. ليست الحياة سعيا فقط. انها تقبل نعمة اي انها رجاء. والرجاء ممكن في كل مراحل الوجود. حياتك يصنعها الله معك. اقبلها منه عطية. لا تخشَ الشر. انه غير قادر على المؤمنين. سر راجيا مجيء الله اليك. انه يجيء متى شاء. |